وبيته في بديعيته على هذا النوع، أعني الغلو، قوله:

عزيز جار لو الليل استجار به ... من الصباح لعاش الناس في الظلم

قلت هذا الغلو هنا مقبول، في مديح النبي -صلى الله عليه وسلم- غير لائق بممدوحه الذي أشار إليه في موشحه بقوله:

ولو أتاه الليل مستجيرًا ... آمنه من سطوات الفجر

فقد تقرر أن الناظم إذا قصد الغلو في مديح النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا غلو.

وبيت العميان في بديعيتهم يقولون فيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم:

تكاد تشهد أن الله أرسله ... إلى الورى نطف الأبناء في الرحم

فنسبة الشهادة إلى النطف، وهي في الأرحام، لا تمكن عقلًا، وما استحال عقلًا استحال عادة، وهذا الغلو هنا مقبول في مديح النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد زاد الناظم تقريبه بكاد، ولكن ذكر الأرحام والنطف في المدائح النبوية ما يخلو من قلة أدب.

وبيت الشيخ عز الدين في بديعيته، يقول فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم:

في مدحه نفحات لا غلوّ بها ... يكاد يحيي شذاها بالي الرمم1

نفحات هذا البيت عطرت الوجود بالمديح النبوي، وغلوها فيه ملحوظ بعين القبول، وتقريبها بكاد أحرز قصبات السبق، ولا أقول كاد، وهذا البيت عندي مقدم على بيت الشيخ صفي الدين، وبيت العميان، لالتزامه بتسمية النوع البديعي مورى به من جنس المديح، مع انسجامه ورقته.

وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم:

بلا غلو إلى السبع الطباق سرى ... وعاد والليل لم يجفل بصحبهم

هذا الغلوّ يرخص عنده بانتظامه في سلك المدائح النبوية كل غلو، فإنه لو كان في غير النبي -صلى الله عليه وسلم- استحال عقلًا وعادة، ونعوذ بالله من نسبته إلى غيره، فإنها تؤدي إلى الكفر المحض، وحصره في النبي -صلى الله عليه وسلم- متفق عليه عقلًا ونقلًا. وقولي عند نظم هذا النوع بلا غلو، ويعلم طالب هذا العلم طريق سلوك الأدب، وهذا البيت من خلاصات المدائح النبوية، فنرجو الله أن تشملنا بركة ممدوحه، صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015