ومنه قوله:
ولو حمى المقدار عنه مهجة ... لرامها أو تستبيح ما حمى
تغدو المنايا طائعات أمره ... ترضى الذي يرضى وتأبى ما أبى
ومثله قول أبي الطيب:
كَأَنّي دَحَوتُ الأَرضَ مِن خِبرَتي بِها ... كَأَنّي بَنى الإِسكَندَرُ السَدَّ مِن عَزمي1
هذا أيضًا من الغلو الذي يؤدي إلى سخافة العقل، مع ما فيه من قبح التركيب، وبعده عن البلاغة.
وأقبح من هذا كله قول عضد الدولة:
ليس شرب الراح إلا في المطر ... وغناء من جوارٍ في السحر
غانيات سالبات للنهى ... ناغمات من تضاعيف الوتر2
مبرزات الكأس من مطلعها ... ساقيات الراح من فاق البشر3
عضد الدولة بان ركنها ... ملك الأملاك غلاب القدر
روي أنه لم يفلح بعد هذا القول، وكان لا ينطق إلا بقوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} 4.
ولولا الإطالة، وهو نظم غير مقبول، لأوردت كثيرًا من نظم الذين كانوا يتساهلون في هذا النوع، كأبي نواس، وابن هانئ الأندلسي، والمتنبي، وأبي العلاء المعري، وغيرهم من المتأخرين، كابن نبيه ومن جرى مجراه. وكنت من المبادئ أستقبح قول الشيخ صفي الدين الحلي، وأستقل أدبه بقوله، في موشحه الذي أوله: دارت على الدوح سلاف القطر. وذلك قوله في ممدوحه:
لو قابل الأعمى غدا بصيرا ... ولو رأى ميتًا غدًا منشورا5
ولو يشا كان الظلام نورا ... ولو أتاه الليل مستجيرا
آمنه من سطوات الفجر