وقنع الشهاب محمود، في كتابه المسمى بـ"حسن التوسل" من أشجار معاليه بالشميم فإنه ذكر بعض شواهده، ولم يأت له بحد تمشي الأفهام فيه على صراط مستقيم، ولكن ابن أبي الأصبع أزال بكارة أشكاله، وكان أبا عذرته وأرضع الأذواق لبان فهمه، وكان فارس حلبته، وقال: الفرق بينه وبين الهزل الذي يراد به الجد: أن التهكم ظاهره جد وباطنه هزل، وهو ضد الأول، لأن الهزل الذي يراد به الجد يكون ظاهره هزلًا وباطنه جدا.
وذكر بعضهم الفرق بين التهكم والهجاء في معرض المدح، فقال: الفرق بينهما التصريح بلفظة في الآخر يخالف معناها معنى الالتزام في الكلام الأول، وهو في هذا دون الأول.
والشيخ صفي الدين نظم التهكم في بديعيته، ولكن ما أسكن بيته قرينة صالحة لبيانه، ولا غردت حمائم الإيضاح على أفنانه، وبيته:
محضتني النصح إحسانا عليَّ بلا ... غش وقلدتني الإنعام فاحتكم
ولم يظهر لي من هذا البيت غير صريح المدح والشكر، ولم أجد فيه لفظة تدل على الحقارة والاستهزاء، ولا على البشارة في موضع الإنذار، ولا على الموعد في موضع الوعيد، ولم يشر في بيته إلى نوع من هذه الأنواع، وقد تقدم أن العميان لم ينظموه في بديعيتهم، وبيت الشيخ عز الدين:
لقد تهكمت فيما قد منحتك من ... قولي بأنك ذو عز وذو كرم
فالشيخ عز الدين ذكر في بيته أنه تهكم على العذول، لما خاطبته بلفظ العز والكرم، ولكنه لم يأت بصيغة التهكم وبيتي:
ذل العذول بهم وجدًا فقلت له ... تهكما أنت ذو عز وذو شمم
فخطاب العذول هنا بلفظ العز والشمم بعد وقوف العاذل في موقف الذل هو التهكم بعينه.