وما أحلى ما قال بعده:
مهما تلا خدها الزاهي نطقت ... سيوف آماقها عن آية الحرس
ويعجبني قول أبي الفتوح بن قلاقس:
عقدوا الشعور معقاد التيجان ... وتقلدوا بصوارم الأجفان
ومشوا وقد هزوا رماح قدودهم ... هزة الكماة عوالي المران1
وتدرعوا زردًا فخلت أراقما ... خلعت ملابسها على الغزلان2
وممن افتن في قصيدة كاملة وتفنن، وخلص من تفخيم الحماسة والفخر إلى رقة الغزل وأحسن، القاضي السعيد هبة الله بن سناء الملك رحمه الله، فإنه قسم القصدة شطرين، وتلاعب في ميدان البلاغة بالفنين، وهذه القصيدة تقف دونها فرسان الحماسة، ويكبو الجواد من فحولها، وينثني من لطائف غزلها من لعبت بلطف شمائله خمر لطف شمولها، وهي:
سواي يخاف الدهر أو يرهب الردى ... وغيري يهوى أن يكون مخلدا
ولكنني لا أرهب الدهر إن سطا ... ولا أحذر الموت الزؤام إذا عدا3
ولو مد نحوي حادث الدهر طرفه ... لحدثن نفسي أن أمد له يدا
توقد عزم يترك الماء جمرة ... وحلية حلم تترك السيف مبردا
وفرط احتقار للأنام فإنني ... أرى كل عار من حلا سؤددي سدى4
وأظمأ أن أبدي إلى الماء منة ... ولو كان لي نهر المجرة موردا
ولو كان إدراك الهدى بتذلل ... رأيت الهدى أن لا أميل إلى الهدى
وقدمًا بغيري أصبح الدهر أشيبا ... وبي بل بفضلي أصبح الدهر أمردا5
وإنك عبدي يا زمان وإنني ... على الكره مني أن أرى لك سيدا
وما أنا راض أنني واطئ الثرى ... ولي همة لا ترتضي الأفق مقعدا
ولو علمت زهر النجوم مكانتي ... لخرت جميعًا نحو وجهي سجدا
وبذل نوالي زاد حتى لقد غدا ... من الغيظ منه ساكن البحر مزبدا