وما أحلى ما قال بعده:
كم طعنة نجلاء تعرض بالحمى ... من دون نظرة مقلة نجلاء1
فتحدثا سرًّا فحول قبابها ... سمر الرماح يلمن للإصغاء
من كل باكية دمًا من دونها ... يوم الطعان بمقلة زرقاء
يا دمية من دون رفع سجوفها ... خوض القنا بالخيل بحر دماء2
لو ساعد الأحباب قلت تجلدًا ... أهون علي بملتقى الأعداء
ومثله قول أبي الطيب، في بيت، وكل من النصفين كامل في معناه:
عدوية بدوية من دنها ... سلب النفوس ونار حرب توقد3
وممن تفنن في هذا النوع وجمع بين رقة النسيب وفخامة الحماسة إبراهيم بن محمد الأنصاري الساحلي المنبوز بطويحن، جرى ذكره في التاج بما نصه: جواب الآفاق ومحالف الرفاق، رفع له ببلده راية للأدب لا تحجم، وأصبح نسيج وحده فيما سدى وألحم، فإن نسب صار للنسيب شرف ونسب، وإن مدح قدح من أنوار فطنته ما قدح، كما حرك الجامد، ونظم الجمان في سلوك المحامد، فمن قوله في الافتتان الذي جمع فيه بين الحماسة والتشبب:
خطرت كمياد القنا المتأطر ... ورنت بألحاظ الغزال الأعفر4
وأتتك بين تطاعن وتداعب ... في فتك قسورة وعطفة جؤذر5
وما أبدع قوله منها:
وبملعب الصدغين مطرود جنة ... زحفت عليه كتائب ابن المنذر6
وله ولم يخرج عما نحن فيه:
زارت وفي كل مرمى لحظ محترس ... وحول كل كناس كف مفترس7