فإنه قال: شرط علماء البديع أن يكون اشتراك لفظة الاستخدام اشتراكًا أصليًّا والنظر هنا في اشتراك لفظة الغضى، فإنه ليس بأصلي، لأن أحد المعنيين منقول من الآخر، والغضى في الحقيقة الشجر وسموا الوادي غضى، لكثرة نبتة فيه، وقالوا جمر الغضى لقوة ناره، فكل منقول من أصل واحد، ولم يرد في كتب المؤلفين غير هذين البيتين، وقول أبي العلاء:
قصد الدهر من أبي حمزة الأواب ... مولى حجى وخدن اقتصاد1
وفقيهًا أفكاره شدن للنعمـ ... ـمان ما لم يشده شعر زياد2
فالنعمان يحتمل هنا أبا حنيفة رضي الله عنه، ويحتمل النعمان بن المنذر ملك الحيرة، فإن الزمخشري صنف كتابًا في مناقب أبي حنيفة سماه "شقائق النعمان في حقائق النعمان" وأما أبو العلاء، فإنه أراد بلفظ النعمان أبا حنيفة، وأراد بالضمير المحذوف ابن المنذر ملك الحيرة وزياد هنا هو النابغة، وكان معروفًا بمدح النعمان بن المنذر، وهذا يصح على طريقة ابن مالك، فإن فقيها يخدم أبا حنيفة، وشعر زياد يخدم النعمان بن المنذر، ولا يصح على مذهب صاحب الإيضاح؛ فإن ضمير يشده لم يعد على واحد منهما، لأن شرط الضمير في الاستخدام أن يكون عائدًا على اللفظة المشتركة، ليستخدم بها معناها الآخر، كما قال البحتري في شبوه، فهذا الضمير عائدًا إلى الغضى، وهذا جعل الضمير في يشده غير عائد على اللفظة المشتركة التي هي النعمان، فصار طيب الذكر الذي يشيده زياد لا يعمل لمن هو، لأن المضير لا يعود على النعمان، اللهم إلا أن يكون التقدير، ما لم يشده له، فيعود الضمير على النعمان بهذا التقدير. انتهى.
وما أحلى قول بعض المتأخرين، مع عدم التعسف، والسلامة، من النقد، وصحة الاشتراك الأصلي، وهو:
وللغزالة شيء من تلفته ... ونورها من ضيا خديه مكتسب
وأنا بالأشواق إلى معرفة الناظم، وهذا النوع، أعني الاستخدام، قل من البلغاء من تكلفه وصح معه بشروطه، لصعوبة مسلكه وشدة التباسه بالتورية، وقد تقدم ما أوردنا فيه من النقد على بيتي البحتري وأبي العلاء، وهو أعلى رتبة عند علماء البديع من التورية،