غزال يدير في كفه منها الغزالة، وهلال تحُفُّه من أصداغه هالة، تنفس الصبح من طوقه وعسعس ليل الشَّعَر من فوقه، كأنّ الجلّنار من خدّه خلق، والأقحوان من ثغره شَرِق، ذو خصر جوّال الوشاح، وبشر كالدّر بنهد كالتفاح، لو مشى الذّرّ عليه لأدماه، أو جرى النفس عليه أجراه.
ثم رحنا الى شاطئ البحر، وقد سكن هائجه، وركد ثبجه، وأقبلت الزوارق تهفو بقوادم غربان، وتعطو بسوالف غزلان، تخالها في سمائه أهلة مكسوفة، وتحسبه فوق مائة رعيل دهم مصفوفة، فلما ضمت إلينا ودخلناها، قلنا اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها، ولا فرش غير ريحان منضد، ولا سقف غير كتان ممدد، فصفعنا بأجنحتها قفاه، ودللنا بمجاذفها مطاه، وابتدر الملاحون فبعض الى شباك الحرير، وبعض الى صنانير كأظفار السنانير، قد عطفها القَيْنُ كالرّاء، وصيّرها الصقل كاللألاء، فجاءت أحدّ من الإبر، وأرقّ من الشّعر، كأنّها مخلف صرد، أو نصف حلقة زرد، فتقلّدوا سموطها، وأرسلوا خيوطها، مضمنة أكلاً وبيّاً، وسُمّاً لآكلِه وحِياً، فأهووا الى مقر السمك، وقذفوها في سماء لازوردية الحبك، فما هو إلا ريث قذف تلك الرجوم من فوره،