وسمعت من مجد العرب ما يشبه هذا، أنه كان بآمد شاعرٌ مفلقٌ، يقال له ابن أسدٍ، فانتحل قصيدةً له رائيةً الكامل الطبيب اليزدي الأصفهاني عند كونه بالشام، في ريعان عمره، وعنفوان أمره، ومدح بها بعض أمراء العرب، فأمر له بمائة ناقةٍ، فقال له ندماؤه: أيها الأمير! إن هذه، قصيدة ابن أسدٍ، معروفةٌ سائرةٌ، فكتب الأمير إلى ابن أسدٍ بآمدٍ: قد أتانا شاعرٌ، ومدحنا بقصيدةٍ هي كذا، وزعم بعض خواصي أنها لك، فأخبرنا حتى لا نصله بشيءٍ، وإن كانت له حتى نزيد في صلته، فكتب إليه ابن أسدٍ يحلف بالأيمان أنه ما سمعها ولا قالها. فلما ارتقى أمر الكامل أيام نظام الملك، وانتظمت أموره من السعادة في سلكٍ، وتوجه ملكشاه إلى الشام، والكامل في خدمة النظام، وأمر السلطان بالقبض على ابن أسدٍ، لكونه استولى على آمد وبملكها استبد، فأحضر مكتفاً حاسراً حافياً، وظن أنه أصبح خاسراً خاسياً، فمر به الكامل راكباً، وكان عن عرفانه ناكباً، فقرب منه، فسأل عنه، فقيل له: هذا ابن أسد، ذئبٌ قد استأسد. فنزل عن دابته، ومنع الحواشي عن حاشيته، ثم تشفع إلى السلطان في حقه، وأخرجه من ساعته من الحبس بشفاعته، فقال له ابن أسدٍ: من أنت؟ ومن أين تعرفني، حتى أرى مثل هذا الجميل الذي يشملني ويكنفني؟ فقال له: أنا منتحل قصيدتك الرائية. قال: هي لك؛ فإني ما انتفعت بنظمها كما انتفعت بانتحالها و.

وهي ثلاث حكاياتٍ متقاربةٍ، متلائمةٍ متناسبةٍ، في انتحال بعض الشعراء شعر بعضٍ، رأيت ذكرها مثل الفرض وإنما أوردتها عند ذكر انتحال قصيدة ابن الخياط التي في أبي النجم، السيارة سير النجم، وهي:

أَيَا بَيْنُ ما سُلِّطْتَ إلاّ عَلَى ظُلْميوَيَا حُبُّ ما أَبْقَيْتَ مِنّي سِوى الْوَهْمِ

فِراقٌ أتى في إثْرِ هَجْرٍ وَما أَذىً ... بِأَوْقَعَ مِنْ كَلْمٍ أَصابَ عَلى كَلْمِ

لَقَدْ كانَ في الْوَجْدِ مَا يُقْنعُ الضَّنىوَفي الْهَجْرِ ما يَغْني بِه البْيَنْ عَنْ غَشْمي

وَلكِنَّ دَهْراً أَثْخَتَنْتي جِراحُهُ ... إذا حَزَّ في جِلْدي أَلَحَّ عَلَى عَظْمي

وَإنْ كُنْتُ مِمَّنْ لا يَذُمُّ سِوى النَّوىفإنَّ الْقِلى وَالصَّدَّ أَجْدَرُ بالذَّمِّ

وَما مَنْ رَمى عَنْ غَيْر عَمْدٍ فَأَقْصَدَتْ ... نَوافِذُهُ كَمَنْ تَعَمَّدَ أنْ يَرْمي

فَيَا قَلْبُ كَمْ تَشْقى بِدانٍ وَنَازِحٍ ... فَشاكٍ إلى خَصْمٍ وَبَاكٍ عَلَى رَسْمِ

وَحَتّامَ أَسْشَفي مِنَ النّاسِ مَنْ بِهسَقَامي وأَسْتَرْوي مِنَ الدَّمْعِ مَا يُظْمي

غَريمي بِدَيْنِ الْحُبِّ هَلْ أَنْتَ مُقْتَضًىوَهَلْ لِفُؤادٍ أَتْلفَ الْحُبُّ مِنْ غُرْمِ

أَحِنُّ إلى سُقْمي لَعَلَّكَ عائِدي ... وَمِنْ كَلَفٍ أَنّي أَحِنُّ إلى السُّقْمِ

وَبي مِنْكَ مَا يُرْدي الجْلَيدَ وَإَّنمَا ... لِحُبِّكَ أَهْوى أَنْ يَزيدَ وَأَنْ يَنْمي

وَيَا لائمي أَنْ بَاتَ يُزْري بيَ الْهَوى ... عَلَيَّ سَفَاهي لا عَلْيكَ وَلي حِلْمي

أَقْلبُكَ أمَ قَلْبي يُصَدَّع بالنَّوى ... وَجِسْمُكَ يَضْني بالْقَطيعَةِ أَمْ جِسْمي

وَلا غَرْوَ أَنْ أَصْبَحْتَ غُفْلاً مِنَ الْهَوىفَأَنْكَرْتَ ما بي لِلصَّبابَة مِنْ وَسْمِ

نُدوبٌ بِخَدّي للدُّموعِ كَأَنَّها ... فُلولٌ بِقَلْبي مِنْ مُقَارَعَةِ الْهَمِّ

وَعاِئَبتي أَنَّ الخْطُوبَ بِرَيْنَني ... وَرُبَّ نَحيفِ الْجِسمِ ذُو سُؤْدُدٍ ضَخْمِ

رَأَتْ أَثراً لِلنّائِبَاتِ كَما بَداعَلَى الْعَضْبِ ما أَبْقى بهِ الضَّرْبُ مِنْ ثَلْمِ

فَلا تُنْكِري ما أَحْدَثَ الدَّهْرُ إِنَّما ... نَوائِبُهُ أَقْرانُ كلِّ فَتًى قَرْمِ

وَلابُدَّ مِنْ وَصْلٍ تَسَهِّلُ وَعْرَهُ ... وَغًى تَنْتَمي فيها السُّيوفُ إلى عزِمي

فَرُبَّ مَرامٍ قدْ تَعاطَيْتُ وِرْدَهُ ... فماَ ساغَ لي حَتّى أَمَرَّ لَهُ طَعْمي

وَخَيْلٍ تَمَطَّتْ بي وَلَيلٍ كَأَنَّهُ ... تَرادُفُ وَفْدِ الْهَمِّ أَوْ زاخِرُ الْيَمِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015