أَعْيَتْ بِياني في الثَّناءِ وَأَوْجَبَتْ ... شُكْري فأَفْحَمَني نَداكَ وَأَنْطَقا
خُذْها كما حَيّاكَ نَوْرُ خَميلَةٍ ... خَطَرَ النَّسيمُ بها ضُحىً فَتَفَتَقَّا
تَأْبى عَلَى الْكِتمانِ غَيْرَ تَضَوُّعٍ ... مَنْ ذا يَصُدُّ الْمِسْكَ عَنْ أَنْ يَعْبَقا
عَذْراءَ لا تَجُلو الثَّناءَ عَليْكَ إِطْر ... اءً وَلا تَصِفُ الْوَلاءَ تَمَلُّقا
تَحْيي حَبيباً الْوَليدَ وَتَجْتَبي ... لِخُلودِ فَخْرِكَ أَخْطَلاً وَفَرَزْدَقا
وَكَأَنَّ تَغريدَ اْلغَريضِ مُرَجَّعاً ... فيها وَعانِيَّ الرَّحيقِ مُعَتَّقا
وَكَأَنَّ أَيّامَ الصَّبابَةِ رِقَّةً ... فيها وَمُفْتَرَقَ النَّوى واَلمُلْتَقى
وَقَدِ اسْتَشادَ لَكَ الثَّناءَ فما تَرى ... إلاَّ بَليغاً بامْتِداحِكَ مُفْلِقا
فَمَتى تَغَنَّى الرَّكْبُ يَوْماً أَوْ حَدا ... لم يَعْدُ مَدْحَكَ مُشْئِماً أو مُعْرِقا
وَالدُّرُّ يَشْرُفُ قِيمَةً وَيَزيدُهُ ... شَرَفاً إذا ما كَانَ دُرّاً مُنْتَقى
مَنْ باتَ يَسْأَلُ رَبَّهُ أُمْنِيَّةً ... فَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يُطيلَ لَكَ الْبَقا
وقصيدته في الأمير أبي الحسن علي بن مقلد بن منقذٍ كلمةٌ غراء شاعرةٌ، وروضةٌ غناء ناضرةٌ، فاق بالمجانسة فيها الصوري، وشأي بمعانيها المبتكرة المعري، وتيم برقتها التهامي. وما أحسن إيراده قراع الليالي والحوادث، والمعنى الذي ذكره في البيت الثالث. وهي:
يَقِيني يَقنين حادِثاتِ النَّوائِبِ ... وحَزْميَ حَزْمي في ظُهور النَّجائِبِ
سُيْنِجُدني جَيشٌ من الْعَزْم طالَما ... غَلَبْتُ بِه الْخْطبَ الذّي هو غالبي
وَمنْ جَرَّبَ الأيّامَ عوَّد نفَسُه ... قِراعَ اللَّيالي لا قِراع الكتائِبِ
عَلى أَنّ لي في مَذْهَبِ الصَّبْرِ مَذْهباً ... يَزيدُ اتّساعاً عندَ ضِيقِ الْمَذاهبِ
وما وَضَعَتْ منّي الْخُطوبُ بقدَرِ ما ... رَفْعَنْ وقد هَذَّبْنني بالتَّجارِب
أَخَذْنَ ثَراءً غَيْرَ باقٍ عَلَى النَّدى ... وأَعْطَيْنَ فَضْلاً في النُّهَى غيرَ ذاهِب
فَمالِيَ لا رَوْضُ الْمَساعي بِمُمْرِعٍ ... لَدَيّ وَلا ماءُ الأَماني بساكبِ
كأَنْ لم يكنْ وَعْدي لَدَيْها بحائِنٍ ... زَماناً وَلا دَيْني عليها بِواجِبِ
وَحَاجَةِ نَفْسٍ تَقْتَضِيها مخَايِلي ... وَتَقْضي بها لي عادلاتٍ مَناصِبي
عَدَدْتُ لهَا بَرْقَ الغَمامِ هُنَيْدَةً ... وأُخْرى وما مِن قَطْرَةٍ في المَذانِبِ
وَهلْ نافِعي شَيْمٌ منِ العَزم صادِقٌ ... إذا كنتُ ذا بَرْقٍ من الحظِّ كاذِبِ
وَإِني لأَغْنَى بالْحَديثِ عَن الْقِرَى ... وَبالبَرْق عن صَوْبِ الْغُيوث السَّواكبِ
قَناعَةُ عِزٍّ لا قَناعةُ ذِلَّة ... تزُهَدَّ في نَيْلِ الغِنَى خَيْرَ راغِب
إذا ما امْتطى الأَقوامُ مَرْكَبَ ثَرْوَةٍ ... خُضوعاً رَأَيْتُ الُعْدمَ خَيْرَ مَراكبي
وَلوْ رِكبَ النّاسُ الْغِنَى بِبَراعةٍ ... وفَضْلٍ مُبينٍ كُنتُ أَوَّلَ راكِبٍ
وَقَدْ أَبْلُغُ الْغاياتِ لستُ بِسائرٍ ... وَأَظْفَرُ بالحاجاتِ لَستُ بِطالِبِ
وَما كُلُّ دانٍ من مَرامٍ بظافرٍ ... وَلا كُلُّ ناءِ عن رَجاءٍ بخائِبِ
وإنّ الْغِنَى مِنّي لأَدْنى مَسافةً ... وأَقَربُ ممّا بَيْنَ عَيْني وَحاجبي
سأَصْحَبُ آمالي إلى ابنِ مُقَلَّدٍ ... فَتُنْجحُ ما أَلْوَى الزَّمانُ بصاحِبِ
فما اشْتَطَّتِ الآمالُ إلاّ أَباحَها ... سَماحُ عَليٍّ حُكْمَها في الْمَواهِبِ