وكيف وكانت الهالاتُ أَحْرى ... وأَجدرَ أَنْ تُهَنَّأَ بالبدور

محبّتُكَ الأَفاضل في زماني ... شُعاعُ الشمسِ في الزمن المطير

فَمَهِّدْ عُذرَ من أَمسى نزيفاً ... بترك الكأْسِ في كفّ المدير

وَدُمْ ما أَطربَتْكَ صَبا صَباحٍ ... بخدشِ نسيمها وجهَ الغدير

منابِتُك السفيرُ إِلى مُرادي ... وإِسفار المَطالب بالسفير

وكانت بين الغزّي والأستاذ أبي الطغراني مكاتبات مفيدة وبينهما لنسب الفضل المودة الوكيدة. وكان في زمانه الغزي والأبيوردي والأرجاني كأنهم مع الأستاذ أربعة أركان الفضل، ولم يسمح الزمان لهم بالمثل؛ ولا يجتمع في قرن واحد أمثالهم، وقد عم الزمان فضلهم وإفضالهم، لكن الأستاذ كان من الصدور الكبار. فمن مكاتبات الغزي إلى مؤيد الدين أبي إسمعيل الطغراني اعتذاراً عن أمر نسب إليه وهو يستميحه:

عليك مؤيّدَ الدين اعتمادي ... فلا تجنَحْ إِلى كَذِب الأَعادي

تمادى المَطْلُ، والآمالُ زرعٌ ... وطولُ الانتظار من الجراد

وقد أَزِفَ الرحيلُ وأَنت كهفي ... ومن جَدْواك راحلتي وزادي

محلُّكُ في السماء فأَيُّ شَيْءٍ ... أمُتُّ به إلى السبعِ الشِداد

وجدتُ جميع ما في الأَرض منها ... وليس المستعاد بمستفاد

لسان الحسود، أدام الله أيام المجلس السامي دام سامياً، ولبيضة المجد حامياً؛ إذا علق بعرض الكرام كان كالنار في المندلي، يبوح بسرطيه الخفي. وهذا الخادم لم يزل في الثناء على الفضل المؤيدي أفصح من الوائلي. فإن وقع من السفهاء إفك فداعيته ما ظهر لهم من انتمائه، وانتساب مزنته إلى سمائه. والمجلس السامي جدير بأن يمج المحال سمعه، ولا يقبل التمويه طبعه، ورأيه في التأمل الصادق أسمى.

وله:

متى جاوَزَ الشوقُ حدّ النزاعِ ... وكان اللقاءُ عديم الدواعي

جَعَلْتُ الصفاح بكفّ الضمير ... وشكْوى الهوى بلسان اليراع

الحامل على تشعيث الخاطر الكريم، وتصديع المجلس السامي؛ لا زال سامياً، ولذمار العلم حامياً؛ ما فغم الأنف، وشغل الأذن عن الشنف، من أنباء ما اختص بملكه، وانخرط في سلكه، من وفور المجد، وبدار مقاطف ثمر الحمد، على أن التقاط الكواكب، ومباراة السحائب غير بدع ممن اجتمع له الكرم الطبيعي، والمجد المنيعي، والأدب السافر، والصيت المسافر، واعتمد على الهمة التي تجذب حديد الثناء بالجود، والشيمة التي ينسب إليها أرج العود. ولولا ما سدك بإحدى قدمي من وجع في الرجل، قام مقام الحجل، لكنت إلى خدمته أخف من الرجل وإن كنت منذ وطئت هذه البلاد أجوس غمارها ساكتاً كالحوت، أو كالتمثال المنحوت، لعلمي بكساد سوق الكلام، واعتلال الأفهام، وإن قوة البخت، تكسر العبل بالشخت، والمنشود، بعد القيام تحت راية رأيه المنصورة، وما أشبه فيه من كشف الصورة، تمهيد العذر في التأخر عن الاستسعاد باللقاء الحميد، والشفاء المفيد؛ ورأيه في اعتبار ذلك وتحقيقه موفق إن شاء الله.

وسمعت للغزي في غلام سراج بيتين، لم أسمع بأظرف من معناهما. والبيت الأول منهما دخل في شفاعة الثاني:

أَلاَ قُولوا لِذا السّراج إِني ... أَراكَ تجيء بالعجب العجيب

إِذا ما كنتَ لا تُعطي قِياداً ... ففيم عَمِلت أَسباب الركوب

قال مؤلف الكتاب: وسألني بعض أصدقائي ببغداد أن أعمل في معناه شيئاً فقلت بديهاً:

وسَرّاجٍ سرى في القلب مني ... هواه، وحلّ مِنْ طرفي السَّوادا

يُسَهّلُ للركوب لنا طريقاً ... بصنعته ولا يثعطي القِيادا

وما يَفْري بشفرته أَديماً ... كما يفري بمُقْلَتِه الفؤادا

وقلت أيضاً في غلام سراج:

فَدَيْتُ سرّاجاً إِذا لم يَرُج ... للعِشْق عندي حَسَنٌ، راجَ هو

يَقول لي اركبني ولا تُفْشِه ... يريد إِلجامي وإِسراجه

وهذه نظمتها بديها. وفي إثباتها ها هنا التكشف لجهابذة الكلام، والتصدي للقرائح الصافية بقريحتي المشوبة. وما أوردتها لجودتها، على أنها ما تقصر عن دون الغاية، بل لمناسبتها وكونها لائقة بهذا الموضع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015