وكلّ من اسْتَشْرى بقوة حدّه ... تجاوَزَ في دَعْواه أَقصى حُدودها
لقد ماتَت النُّعْمى التي ظفروا بها ... وفي المَيْتة الملقاة حَظٌّ لِدُودِها
يقولون ما سَيَّرْتَ ما يُتَّقى به ... مَغانِيك غاباتٌ خَلَتْ من أُسودها
وهل سالِبُ العُزْيان إِلاّ منبّهٌ ... على عَدمِ الأَشياءِ قبْلَ وجودها
وقالوا هجرتَ الكُتْب، والعلمُ وجْهُهُ ... يزيد بياضاً مِنْ تَصَفُّحِ سُودِها
وما الحفظُ إلاّ كالثّمار قطفتُها ... وعَلَّقْتُها بالخيط في غير عُودها
طريق البلاغات التصرفُ زادها ... وفَخْرُ كُفاة العصر خِرّيتُ بيدها
أَفادُ العُلى عبدُ الكريم محمّداً ... ولم نره يُعْزى إِلى مستفيدها
فلم يَرْضَ حتّى نالها باْكتسابه ... طَريفُ العلى أَوْلى بها من تليدها
كسا رؤساءَ العصر دام رئيسُهم ... مفاخِرَ يجتابُون أَسْنى برودها
فتىً لا تَبُلُّ النَعلَ طشَّةُ حاله ... وجَدْواه قد عام الورى في مُدودها
فصيحٌ، إِذا مدّ المِداد حِبالَهُ ... لِمَلْمومَةٍ لم يُعْيه صَيْدُ صِيْدها
أَدِمْ ذِكره وانْسَ الأَوائل جُملةً ... مكارِمُه نَقْضٌ لبيتِ لَبيدها
ولو لم تكن تُصْمي به الدولةُ العِدى ... سَما قدرُه عن نَعْته بسَديدها
نشرتَ أَبا عبدِ الإِله مناقباً ... أُميتَتْ فَلاحتْ منك شُهْب سُعُودها
وَجُدْتَ ارتجالاً، والغمامة طالما ... تكرّر يحدُوها ضجيج رُعودها
فما يَقْتضي جَدْواك مُورِدُ مِدْحَةٍ ... لأَسلافِك الأَثمان قبل وُرودها
وما زلتُ في بغداد بالذكر خادماً ... وخِدمةُ مثلي يُكْتَفى بزهيدها
ولو سَمَحَتْ أرض العراق بمُسكةٍ ... تَرَفَّهْتُ عن جَيْ وأَكلِ قديدها
وما أَنا إِلاّ الطيفُ يُنْسى فلا يُرى ... ومثلُك مَنْ جاء العُلى من وَصيدها
أَطال اختراعي للمعاني تأَخّري ... وقُدِّمَ أَقوامُ بسَلْخ جُلودها
ويكْفيكَ مجداً أَنّ نفْسَ مَطالبي ... بك اعتصمتْ مِنْ قطع حَبْلِ وريدها
وأَنّ خيام الاهتمام بنُصُرتي ... يَلوحُ عَمودُ الفجْر تحتَ عمودها
لِيَهْنِ أَميرَ المؤمنين سعادةٌ ... تَفيضُ بها الأَعراض بعد جُمُودها
فلوْ لم يَصُلْ إِلاّ بيمناك وحدَها ... لأَمكنَ فتح الخافِقَيْن بجودها
وله وكتبها إلى سديد الدولة ابن الأنباريّ وقد نقلتها من خطه أيضاً يهنئه فيها بخلعة:
رئيسَ الفضْلِ والرؤساء إِني ... كتبت إِليك ما أَمْلى ضميري
ولي فِكرٌ يوزِّعه التفاتي ... بصحّتِه إِلى أَملٍ كسير
وليس تأَلُّمي من فَوْتِ رزقٍ ... ولا عجباً لإعراض الوزير
ولكن من صُلود زِنادِ عزْمٍ ... تردَّدَ في الإِقامة والمسير
هُمومي لا تفي هضباتُ رَضْوى ... بهنّ ولا تقوم ذُرى ثَبير
لِيَفْدِكَ مَعْشَرٌ مُدِحُوا فسَنّوا ... نِكاحَ الشاردات بلا مهور
متى تجري الخواطرُ في مديحٍ ... وإِيغارُ الصُّدورِ من الصدور
سديدَ الدولة الأَمواهُ تُثْني ... على كرمِ المنابعِ بالخرير
ومُدْمِنُ سَبْكِ عِقْيانِ المعاني ... بصيرٌ، والتأَمُّلُ للبصير
كسوْت المُلكَ ثوباً من حروفٍ ... فقابِلْهُ بثوبٍ من حرير
وَوَشْيُ الحِبْر في القِرطاس أَبْقى ... على الأَيّامِ من وَشْي الحبير
وفي الخِلع الجمالُ ولست أَحْدو ... بتهْنِئةٍ بهنّ إِليك عِيْري