وَأخذ ابْن الرُّومِي هَذَا الْمَعْنى بِعَيْنِه وكساه معرضًا من عِنْده، وَلم يحم حول ألفاظهم حَيْثُ قَالَ: فِي هدنة الدَّهْر كَاف من وقائعه ... والعمر أقدح مبرة من الوصب حسان بن ثَابت: قَالَ الجاحظ: لما شتم الْمُشْركُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لحسان: أهجهم وروح الْقُدس مَعَك، وأت أَبَا بكر فيعلمك مساوىء الْقَوْم، وَالله إِن هجاءك لأشد عَلَيْهِم من وَقع السِّهَام فِي غلس الظلام {فَأخْرج حسان لِسَانه، فَضرب بِهِ طرف أَنفه، فَقَالَ: يَا رَسُول الله} مَا يسرني بِهِ مقول من معد، وَالله إِنِّي لَو وَضعته على شعر لحلقه، أَو على صَخْر لفلقه. قَالَ: فَلَا يَنْبَغِي أَن يَقُول حسان إِلَّا حَقًا، وَكَيف يَقُول بَاطِلا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرهُ وَجِبْرِيل يسدده وَالصديق يُعلمهُ وَالله يوفقه. وَقَالَ غَيره: من عجائب أَمر حسان، إِنَّه كَانَ رَضِي الله عَنهُ يَقُول الشّعْر فِي الْجَاهِلِيَّة فيجيد جدا، ويغبر فِي نواصي الفحول وَيَدعِي أَن لَهُ شَيْطَانا يَقُول الشّعْر على لِسَانه كعادة الشُّعَرَاء فِي ذَلِك وَيَقُول مثل قَوْله فِي بني جَفْنَة مُلُوك غَسَّان: أَوْلَاد جَفْنَة حول قبر أَبِيهِم ... قبر ابْن مَارِيَة الْكَرِيم الْمفضل بيض الْوُجُوه كَرِيمَة أحسابهم ... شم الأنوف من الطّراز الأول فَلَمَّا أدْرك الْإِسْلَام وتبدل الشَّيْطَان الْملك، تراجع شعره وَكَاد يَرك قَوْله ليعلم أَن الشَّيْطَان أصلح للشاعر وأليق بِهِ وأذهب فِي طَرِيقه من الْملك. وَقد كَانَ بعض الْكُهَّان أنذره بلدغة تصيبه، وَكَانَ يتحرز مِنْهَا بِجهْدِهِ، وَلَا ينَام إِلَّا على ظهر رَاحِلَة، فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات لَيْلَة على نَاقَته وَهِي ترعى، إِذْ التوت حَيَّة على مشفرها، فاضطربت ورمت بهَا صعدا إِلَيْهِ فلدغته، فَقَالَ: