وحسبنا ردّا على إيرفنج وأمثاله أن القرآن دعا إلى قصد السبيل في كل شيء.

من أخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ

بقيت العبارة الأخيرة من كلام إيرفنج: هذه العبارة التي يعيرنا الغرب بمثلها على حين هي عار الغرب ووصمته وجرثومة القضاء على كبريائه وعلى حضارته. يقول إيرفنج: «إن بقاء الهلال حتى اليوم في أوربا، حيث كان يوما ما بالغا غاية القوّة، إنما يرجع إلى اختيار الدول المسيحية الكبرى، أو يرجع بالأحرى إلى تنافسها. ولعل الهلال باق ليكون دليلا جديدا على أن. «من أخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ» .

من أخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ

«من أخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ» ، هذه آية الإنجيل يوجهها إيرفنج باسم المسيحية إلى الإسلام. يا عجبا! لعل لإيرفنج من العذر أنه قالها منذ قرن مضى حيث لم يكن الإستعمار الغربيّ في تعبيرنا، المسيحي في تعبيره، قد بلغ من الشره والجشع ومن الأخذ بالسيف ما بلغ اليوم. ولكن الماريشال أللّنبي، الذي استولى على بيت المقدس في سنة 1918 باسم الحلفاء، قد قال مثل هذه العبارة إذ نادى عند هيكل سليمان: «اليوم انتهت الحروب الصليبية» . وقال الدكتور بيترسن سميث في كتابه عن سيرة المسيح: «إن هذا الإستيلاء على بيت المقدس كان حربا صليبية ثامنة أدركت المسيحية فيها غايتها» . ولقد يكون من الحق أن هذا الإستيلاء لم ينجح بمجهود المسيحيين، وإنما نجح بمجهود اليهود الذين سخّروهم ليحققوا حلم إسرائيل القديم فيجعلوا أرض المعاد وطنا قوميّا لليهود.

الإسلام لم يأخذ بالسيف

«من أخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ» . لئن صدقت كلمة الإنجيل هذه على قوم لهي أشدّ ما تكون صدقا اليوم على أوربا المسيحية. أما الإسلام فلم يأخذ بالسيف؛ ولن يؤخذ لذلك بالسيف. وأوربا المسيحية قد أخذت بالسيف في العصر الأخير إمعانا في الإباحية والترف مما ينسبه إيرفنج باطلا للإسلام والمسلمين. أوربا المسيحية تقوم اليوم بالدور الذي قام به المغول والتتار حين اتشحوا ظاهرا برداء الإسلام ثم فتحوا الممالك دون أن يبعثوا بتعاليم الإسلام فيها، فحقّت عليهم وعلى المسلمين الكلمة، وكان هذا التدهور والانحلال الذي أصاب الشعوب الإسلامية. وأوربا المسيحية اليوم أقلّ فضلا من أولئك التتار والمغول. فالممالك التي فتحها هؤلاء سرعان ما دخلت في الإسلام حين رأت عظمته وبساطته. أمّا أوربا فلا تغزو لتنشر عقيدة ولا لتدعو إلى حضارة. إنما هي تريد استعمارا، وتريد أن تجعل من العقيدة المسيحية مطية هذا الاستعمار. لذلك لم تنجح الدعابة التبشيرية الأوربية لأنها دعابة غير مخلصة. وهي لم تنجح ولن تنجح في الأمم الإسلامية خاصة؛ لأن عظمة الإسلام وبساطته وأخذه بحكم العقل والعلم لا تجعل لآية دعاية دينية أملا في النجاح بين أبنائه.

«من أخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ» . هذا حق. وهو إن انطبق على المتأخرين من المسلمين الذين غزوا ليفتحوا الممالك وليستعمروا لا ليدفعوا عن أنفسهم وعن عقيدتهم، لهو اليوم أشدّ انطباقا على هذا الغرب الذي يغزو ويفتح ليذلّ الشعوب ويستعمرها. فأمّا المسلمون الأولون من عهد النبي وخلفائه ومن جاؤا بعدهم فلم يغزوا للفتح والاستعمار، وإنما غزوا دفاعا عن عقيدتهم حين هدّدتها قريش وحين هدّدها العرب، ثم حين هدّدها الروم وهدّدها الفرس. وهم في هذا الغزو لم يفرضوا على أحد دينهم؛ فلا إكراه في الدين. وهم في هذا الغزو لم يقصدوا إلى الاستعمار، فقد ترك النبي ملوك العرب وأمراءها على إمارتهم وممالكهم؛ إنما أرادوا حرية الدعوة للعقيدة. ولما كانت العقيدة الإسلامية قوية بالحق الذي تنادي به، قوية بأنها لا تجعل فضلا لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وبأنها لا تجعل لغير الله على الإنسان سلطانا، أسرعت إلى الانتشار في ربوع الأرض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015