ولا تعسّر. وبشر ولا تنفر. وإنك ستقوم على قوم من أهل الكتاب يسألونك: ما مفتاح الجنّة؟ فقل:
شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» . وذهب معاذ ومعه طائفة من المسلمين الأولين ومن الجباة يعلّمون الناس ويقضون بينهم بقضاء الله ورسوله. وبإنتشار الإسلام في ربوع شبه الجزيرة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، أصبحت أمة واحدة يظلها لواء واحد هو لواء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وتدين كلها بدين واحد هو الإسلام، وتتجه قلوبها جميعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ هذا بعد أن كانت إلى قبل عشرين سنة قبائل متنافرة، تشن إحداها الغارة على غيرها كلما وجدت في ذلك مغنما. وبإنضوائها تحت لواء الإسلام طهرت من رجس الوثنية واستراحت إلى حكم الواحد القهار. وبذلك هدأت الخصومات بين أهلها، فلم يبق لغزو أو خصومة موضع، ولم يبق لأحد أن يستل سيفه من قرابه إلا أن يدافع عن وطنه أو يدفع المعتدي على دين الله.
على أن جماعة من نصارى نجران احتفظوا بدينهم، مخالفين في ذلك الأكثرين من قومهم بني الحارث الذين أسلموا من قبل. إلى هؤلاء وجّه النبي خالد بن الوليد يدعوهم إلى الإسلام كي يسلّموا من مهاجمته ولم يلبثوا حين نادى فيهم خالد أن أسلموا؛ فبعث خالد وفدا منهم إلى المدينة لقيه النبي فيها بالترحيب والمودة. ثم إن جماعة من أهل اليمن عز عليهم أن يخضعوا للواء الإسلام، لأن الإسلام ظهر بالحجاز، ولأن اليمن اعتادت أن تغزو الحجاز فلم يغزها الحجاز من قبل قط. إلى هؤلاء أرسل النبي عليّ بن أبي طالب يدعوهم إلى الإسلام، وقد استكبروا أول الأمر وقابلوا دعوة عليّ بمهاجمته،؛ فلم يلبث عليّ أن شتتهم على صغر سنه وإن لم يكن معه إلا ثلثمائة فارس. وارتدّ المنهزمون ينظمون من جديد صفوفهم. بيد أن عليّا أحاط بهم وأوقع في صفوفهم الرعب، فلم يجدوا من التسليم بدّا، وسلّموا وأسلموا وحسن إسلامهم، وأنصتوا إلى تعاليم معاذ وأصحابه، وكان وفدهم آخر وفد إستقبله النبي بالمدينة قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى.
بينما كان عليّ يتأهب للعودة إلى مكة كان النبي يتجهز للحج ويأمر الناس بالتجهز له. ذلك أن أشهر السنة استدارت وأقبل ذو القعدة وأوشك أن يولي ولم يكن النبي قد حج الحج الأكبر وإن يكن قد اعتمر فأدى الحج الأصغر قبل ذلك مرتين. وللحج مناسك يجب أن يكون عليه السلام قدوة المسلمين فيها. وما كاد الناس يعرفون ما صحّ عليه عز النبيّ ودعوته إيّاهم للحج معه حتى انتشرت الدعوة في كل ناحية من شبه الجزيرة.
وحتى أقبل الناس على المدينة ألوفا ألوفا من كل فج وحدب: من المدائن والبوادي، من الجبال والصحاري، من كل بقعة في هذه البلاد العربية المترامية الأطراف، التي استنارت كلها بنور الله ونور نبيه الكريم. وحول المدينة ضربت الخيام لمائة ألف أو يزيدون جاؤا تلبية لدعوة نبيّهم رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتمّ السلام. جاؤا إخوة متعارفين تجمع بينهم المودّة الصادقة والأخوّة الإسلامية، وكانوا إلى سنوات قبل ذلك أعداء متنافرين. وجعلت هذه الألوف المؤلّفة تجوس خلال المدينة، وكلّ باسم الثغر، وضّاح الطلعة، مشرق الجبين، يصف اجتماعهم انتصار الحق وانتشار نور الله انتشارا ربط بينهم وجعلهم جميعا كالبنيان المرصوص.
وفي الخامس والعشرين من ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة سار النبيّ وأخذ نساءه جميعا معه، كلّ