خارجة (?) . سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت (?) عنقها. فضحك رسول الله وقال: هنّ حولي يسألنني النفقة.
فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما ليس عنده! فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبدا شيئا ليس عنده» وإنما دخل أبو بكر وعمر على النبيّ لأنه عليه السلام لم يخرج للصلاة: فتساءل المسلمون بعدها عما منعه. وفي حديث أبي بكر وعمر مع عائشة وحفصة نزل قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (?) -
ثم إن نساء النبيّ كن يأتمرن به. فقد كان إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن. فدخل على حفصة في رواية، وعلى زينب بنت جحش في رواية فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس. فأحدث ذلك الغيرة في نفوس سائر نسائه. وقالت عائشة: «فتواطأت أنا وحفصة أن أيّتنا ما دخل عليها النبيّ صلى الله عليه وسلّم فلتقل إني أجد ريح مغافير. أكلت مغافير» (والمغافير شيء حلوله ريح كريهة؛ وكان النبيّ لا يحبّ الرائحة الكريهة) فدخل على إحداهما فقالت له ذلك. فقال: بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له. وروت سودة، وكانت تواطأت على مثل ذلك مع عائشة، أن النبيّ لمّا دنا منها قالت له: أكلت مغافير؟ قال: لا. قالت: فما هذه الريح؟ قال: سقتني حفصة شربة من عسل. قالت: جرست نحله العرقط (?) . ودخل على عائشة فقالت له ما قالت سودة، ثم دخل على صفيّة فقالت له مثل قولهما، فحرّمه على نفسه. فلمّا فعل قالت سودة:
سبحان الله! والله لقد حرمناه. فنظرت إليها عائشة نظرة ذات مغزّى وقالت لها: اسكتي.
طبيعيّ وقد جعل النبي لأزواجه هذه المكانة، بعد أن كنّ كغيرهن من نساء العرب لا رأي لهن، أن يتغالين في الاستمتاع بحرية لم يكن لمثيلاتهن بها عهد، وأن تبلغ إحداهن من مراجعة النبيّ أن يظل يومه غضبان. وكم أعرض عنهنّ وكم هجر بعضهن فحتى لا يدفعهن رفقه بهنّ إلى مزيد من غلوهنّ؛ وأن تخرج بإحداهن الغيرة إلى غير لائق بالسداد. فلما ولدت مارية إبراهيم خرجت الغيرة بأزواج النبيّ عما أدّبهن به، حتى كان هذا الحديث بينه وبين عائشة إذ تنكر عليه كل شبه بين إبراهيم وبينه، ولتكاد تتهم مارية بما يعرف النبيّ براءتها منه.
وحدث أن كانت حفصة يوما قد ذهبت إلى أبيها فتحدثت عنده. وجاءت مارية إلى النبيّ وهو في دار حفصة وأقامت بها زمنا معه. وعادت حفصة فوجدتها في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها وهي أشدّ ما تكون غيرة، وجعلت كلما طال بها الانتظار تزداد الغيرة بها شدّة. فلما خرجت مارية ودخلت حفصة على النبي، قالت له: «لقد رأيت من كان عندك. والله لقد سببتني. وما كنت لتصنعها لولا هواني عليك» . وأدرك محمد أن الغيرة تدفع حفصة إلى إذاعة ما رأت والتحدّث به إلى عائشة أو إلى غيرها من أزواجه، فأراد إرضاءها بأن