ذلك هذه المشاكل، ولكان بدا حسنا لهذه المساواة التي يريد الإسلام تحقيقها بين الجنسين، من غير أن يشعر المسلمون، رجالا ونساء بانتقال في الفكرة لم يمهّدوا له. وفي هذه الظروف نزل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (?) .
بهذا التمهيد سهل على المسلمين أن يقلعوا عن عادات العرب الأولى. كما أنّ ما قصد إليه شارع الإسلام، من تنظيم الجماعة على أساس الأسرة طاهرة من أدران الدخيلة مما جعل الزنا جريمة كبرى قد يسّر لكلّ مسلم أن يقدّر ما في تبرّج الأنثى تتبدى به للذكر من عيب ومعرّة، ما لم تكن صلة ما بين الرجل والمرأة تسمح بهذا التبرج. وذلك قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَ
أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ، وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (?)
وكذلك عمل الإسلام، فتدرّجت صلة ما بين الرجل والمرأة إلى غير ما كانت فلم تبق صلة ذكورة وأنوثة إلا حيث تخشى الفتنة من مثل هذه الصلة؛ فأمّا في سائر شؤون الحياة وفي علاقات الرجال والنساء جميعا، فالكل سواسية، والكل عباد الله، والكل متضامنون للخير ولتقوى الله. فإذا فرط من أحدهم أو من إحداهن ما يذكي في النفس معاني الجنس فذلك إثم يجب على من فرط منه أن يتوب إلى الله إنه هو التواب الرحيم.
لكن ذلك كلّه لم يكن كافيا لينقل النفس العربية في أعوام قلائل من اعتباراتها الأولى ليغيرها في هذا الشأن، كما غيرها في الإيمان بالله وعدم الشرك به؛ نفسا جديدة. وذلك طبيعيّ؛ فالمادة إذا تكيفت على صورة ما، لم يكن من اليسير تحولها إلا رويدا رويدا؛ ومهما تحولها فلن تحولها إلا قليلا. ذلك شأن حياة الإنسان المادّية. تطبعه العادات المتوارثة، وتطبعه تقاليد البيئة في شئون حياته، فإذا أريد به أن يتغير فقد وجب أن يتدرج في انتقاله وتغيره، ثم إنه لن يستطيع هذا التدرج إلا إذا غيّر ما بنفسه. وقد يستطيع الإنسان أن يغير جانبا من جوانب نفسه بإزالة ما أمامها من حوائل تعوق تمددها وانتشارها لتمتثل الكون كله. وهذا ما فعل الإسلام بالمسلمين في شأن توحيد الله والإيمان به وبرسوله وباليوم الآخر. لكن كثيرا من جوانب النفس العربية لم تحطّم أمامه العوائق، وخاصة في شئون الحياة المادية، فبقي المسلمون فيه قريبين مما كانوا قبل إسلامهم، وذلك كان شأنهم فيما طبعتهم عليه حياة الصحراء من تلكؤ وفيما درجوا عليه من حب التحدث إلى النساء.
ومع هذا الذي أسلفنا من تعديل الدين الجديد نظرتهم لصلات ما بين الرجل والمرأة، فقد ظلوا فيما