والمنافس الوحيد القويّ للفرس، تجعل المرأة من الرجل في مكونة دون مكانة المرأة العربية من الرجل حتى البادية. كانت المرأة في شرائع الروم يومئذ معتبرة متاعا مملوكا للرجل يتصرف فيه كيف يشاء، ويملك من أمره ما يريد حتى الحياة والموت. كانت تعامل معاملة الرق سواء، لا فارق بينها وبينه في نظر الشرع الروماني.
كانت مملوكة لأبيها، ثم لزوجها، ثم لابنها، وكان ملكهم إيّاها تامّا كملكهم الرقيق وكملكهم الحيوان والجماد. وكان ينظر إلى المرأة على أنها مثار الشهوة، وعلى أنها لا سلطان لها على أنوثتها الحيوانية، حتى لم يكن بدّ من اصطناع نطاق العفّة ومن التمسك بذلك قرونا متوالية، بعد هذا العصر الذي نصف فيه أحوال جزيرة العرب. ومع أن السيّد المسيح عليه السلام كان برّا بالنساء عطوفا عليهن. حتى لقد قال حين أظهر بعض رجاله العجب لحسن معاملته مريم المجدلية: «من لم يكن منكم ذا خطيئة ليرمها بحجر» . مع هذا ظلّت أوروبا المسيحية، كما كانت أوروبا الوثنية من قبل، تزدري المرأة شرّ ازدراء. ولم تكن تنظر إلى صلاتها بالرجل على أنها صلات الذكورة والأنوثة وكفى، بل على أنها صلة عبودية ورقّ ومهانة مما طوّع لبعض المتكلمين في عصور مختلفة أن يتساءلوا: أللمرأة روح وأنها ستحاسب، أم أنها كالحيوان لا روح لها ولا تعرف عند الله حسابا وليس لها في ملكوت الله متسع!
وكان محمد يقدر، بما أوحي إليه، أن لا صلاح للجماعة إلّا بتعاون الرجل والمرأة، باعتبار أنهما أخوان متضامنين تضامن مودّة ورحمة، وأن للنساء مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجل عليهن درجة. لكن الأخذ في ذلك بالطفرة لم يكن أمرا ميسورا، ومهما يكن من إيمان العرب الذين اتّبعوه به، فإن أخذهم باليسير من الأمر وعدم تعريضهم للحرج، أدعى إلى مزيد إيمانهم، وإلى ازدياد أنصاره. وكذلك كان الشأن في كل إصلاح اجتماعي فرضه الله على المسلمين.
بل كذلك كان الشأن في فروض الدين ذاتها، في الصلاة والصوم والزكاة والحج. وكذلك كان الشأن في المحرمات كالخمر والميسر ولحم الخنزير وما اليها. وقد بدأ محمد، في شأن الإصلاح الاجتماعي، وتقرير صلات ما بين الرجل والمرأة، بالمثل يضربه فيما بينه وبين أزواجه مما كان المسلمون جميعا يرونه. فالحجاب لم يفرض على نساء النبي إلى ما قبيل غزوة الأحزاب كما لم يفرض تحديد الزوجات بأربع مع شرط العدل إلى ما بعد غزوة الأحزاب، بل إلى ما بعد غزوة خيبر بأكثر من سنة. فكيف يصل النبيّ إلى توطيد علاقات الرجل والمرأة على أساس صالح، تمهيدا لهذه المساواة التي انتهى الإسلام إليها مساواة تجعل للنساء مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة؟
كانت صلات الرجل والمرأة عند المسلمين، كما كانت عند سائر العرب، على ما وصفنا، مقصورة على صلات الذكورة والأنوثة. وكان التبرّج وإبداء الزينة بصورة تدعو إلى تحرّش بالنساء، كلما وجدوا الفرصة لذلك بعض ما يذكي عواطف الجنس عند الرجل والمرأة على سواء، وما يحول لذلك دون التقريب بينهما تقريبا أساسه المعنى الإنساني السامي، وأساسه الاشتراك الروحي في العبودية لله وحده. وقد نشأ عن قيام طرائف اليهود والمنافقين في المدينة، وخصومتهم لمحمد وللمسلمين أن بلغ تحرّش هذه الطوائف بالمسلمات حدا إلى حصار أدّى إلى حصار بني قينقاع كما رأيت، وإلى إيصال الأذى للمسلمات، مما كانت تنشأ عنه مشاكل لا ضرورة لها. فلو أنّ المسلمات لم يبدين زينتهن أثناء خروجهن، لكان ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، ولو فّر