ائتمار القبائل المجاورة بالمسلمين- غزوة بني أسد- أمر الهذلي- مقتل خبيب وأصحابه بالرجيع- مقتل المسلمين ببئر معونة- إجلاء بني النضير عن المدينة- غزوة بدر الآخرة- غزوة دومة الجندل.
عاد أبو سفيان من أحد إلى مكة، وقد سبقته إليها أخبار النصر، ممتلئ النفس غبطة وسرورا بما زال عن قريش من عار بدر. ولم يلبث حين بلغها أن قصد الكعبة قبل أن يدخل إلى بيته، وبها رفع إلى كبير الهتهم هبل آي الثناء والحمد؛ ثم حلق لمّته ورجع إلى داره موفيا نذره ألا يقرب زوجه حتى ينتصر على محمد. أمّا المسلمون فألفوا المدينة وقد تنكّر لهم الكثير من أمرها، على رغم مطاردتهم عدوهم وثباتهم له ثلاثة أيام سويّا من غير أن يجترئ على الرجعة إليهم وهو المنتصر قبل أربع وعشرين ساعة عليهم. ألفوا المدينة وقد تنكّر لهم الكثير من أمرها وإن بقي سلطان محمد فيها السلطان الأعلى، وشعر عليه السلام بدقة الموقف وحرج المركز، لا في المدينة وحدها، بل كذلك عند قبائل العرب ممن كان الرعب منه قد داخل نفوسها؛ فقد ردّت أحد إليها من السكينة ما سمح لها أن تفكر في معارضته ومناوأته. لذلك حرص على أن يقف من أخبار أهل المدينة ومن أخبار العرب جميعا، على ما يمكنه من استعادة مكانة المسلمين وسطوتهم وهيبتهم في النفوس.
وكان أول ما بلغه بعد شهرين من أحد أن طليحة وسلمة ابني خويلد، وكانا على رأس بني أسد، يحرّضان قومهما ومن أطاعهما يريدان مهاجمة المدينة والسير إلى محمّد في عقر داره ليصيبوا من أطرافه وليغنموا من نعم المسلمين التي ترعى الزروع المحيطة بمدينتهم. وإنما شجعهم على ذلك اعتقادهم أن محمدا وأصحابه لا يزالون مضعضعين من أثر أحد. فما لبث النبيّ حين اتصل به الخبر أن دعا إليه أبا سلمة بن عبد الأسد وعقد له لواء سريّة تبغ عدتها مائة وخمسين، منهم أبو عبيدة بن الجرّاح، وسعد بن أبي وقّاص، وأسيد بن حضير، وأمرهم بالسير ليلا والاستخفاء نهارا وسلوك طريق غير مطروق حتى لا يطّلع أحد على خبرهم، فيفجئوا العدوّ بالإغارة عليه على غرّة منه. ونفّذ أبو سلمة ما أمر به حتى جاء القوم ولم يستعدوا لنضال، فأحاط بهم في عماية الصبح، وحضّ رجاله وحرّضهم على الجهاد؛ فلم يستطع المشركون أن يثبتوا لهم، فوجّه لواءين في طلبهم وطلب الغنيمة، وأقام هو ومن معه حتى عاد المطاردون بما غنموا، فنحّوا الخمس لله ورسوله وللمسكين وابن