جسده روحه. وكانت هند بنت عتبة قد وعدت وحشيا الحبشيّ مولى جبير خيرا كثيرا إن هو قتل حمزة، كما قال له جبير بن مطعم مولاه وكان عمه قد قتل ببدر: إن قتلت حمزة عم محمد فأنت عتيق. روى وحشيّ قال:
«فخرجت مع الناس، وكنت رجلا حبشيّا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلّما أخطئ بها شيئا. فلمّا التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصّره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق (?) يهذّ الناس سيفه هذّا، فهززت حربتي، حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت في ثنته (?) حتى خرجت من بين رجليه، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي ورجعت إلى المعسكر وقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة. إنما قتلته لأعتق.
فلمّا قدمت مكة أعتقت» .
أما المدافعون عن الوطن فكان لهم مثل في قزمان أحد المنافقين الذين أظهروا الإسلام. تخلّف عن الخروج يوم خرج المسلمون لأحد. فلما أصبح عيّره نساء بني ظفر فقلن: يا قزمان، ألا تستحي لما صنعت! ما أنت إلا امرأة، خرج قومك فبقيت في الدار. فدخل قزمان بيته مغيظا محنقا فأخرج فرسه وجعبته وسيفه، وكان يعرف بالشجاعة، فخرج يعدو حتى كان عند الجيش والنبي يسوّي صفوف المسلمين، فتخطاها حتى كان في الصفّ الأوّل منها، وكان أول من رمى بنفسه من المسلمين، وجعل يرسل نبلا كأنها الرماح، فلمّا كان آخر النهار فضل الموت على الفرار وقتل نفسه بعد أن أصاب من قريش سبعة رجال في سويعة غير من قتل منهم بدء المعركة. ومرّ به أبو الغيداق وهو يسلم الروح، فقال له: «هنيئا لك الشهادة يا قزمان!» . قال قزمان:
«إنني والله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين. ما قاتلت إلا على الحفاظ أن تسير قريش إلينا فتقتحم حرمنا وتطأ سعفنا، ووالله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت» .
أمّا المؤمنون حقّا، وكان عددهم لا يزيد على سبعمائة يقاتلون ثلاثة آلاف فقد رأيت من فعال حمزة وأبي دجانة ما يصور لك صورة من قوتهم المعنوية؛ قوة انثنت أمامها صفوف قريش وكأنها الخيزران، وتراجع أمامها أبطال قريش وكانوا بين العرب مضرب المثل في الإقدام والشجاعة. وكان لواؤهم لا يسقط من يد حامله حتى يأخذه خلفه. حمل عثمان بن أبي طلحة اللواء بعد أن قتل عليّ طلحة بن أبي طلحة، فلقي مصرعه على يد حمزة. وحمله أبو سعد بن أبي طلحة وصاح: أتزعمون أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار! والله إنكم لتكذبون. ولو كنتم تؤمنون حقّا فليقدم منكم من يقاتلني. وضربه عليّ أو سعد بن أبي وقّاص بسيفه ضربة فلقت هامته. وتعاقب حملة اللواء من بني عبد الدار حتى قتل منهم تسعة، كان آخرهم صؤاب الحبشيّ غلام بني عبد الدار، وقد ضربه قزمان على يده اليمنى، فتناول اللواء باليسرى، فقطعها قزمان بسيفه، فضم صؤاب اللواء بذراعيه إلى صدره ثم حنى عليه ظهره وهو يقول: يا بني عبد الدار، هل أعذرت؟ وقتله قزمان أو قتله سعد بن أبي وقاص، على خلاف في الرواية. فلمّا قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين لا يلوون على شيء حتى أحيط بنسائهم، وحتى وقع الصنم الذي احتملوا يتيامنون به من فوق الجمل الذي كان يحمله ومن خلال الهودج الذي كان يحتويه.
والحقّ أن ظفر المسلمين في صبيحة يوم أحد كان معجزة من معجزات الحرب، قد يفسّرها بعضهم بمها محمد في وضعه الرّماة في شعب الجبل يصدّون الفرسان بالنبل فلا يتقدّمون ولا يأتون المسلمين من خلفهم.
وهذا حقّ. ولكنه من الحق أيضا أنّ ستّ المائة من المسلمين الذين هاجموا عددا يوازي خمسة أمثالهم، وعدّة في