أبوها وأخوها وأعمّ الناس عليها- خرجت قريش تقصد المدينة في ثلاثة ألوية عقدت في دار النّدوة، وعلى اللواء الأكبر منها طلحة بن أبي طلحة، وهم ثلاثة آلاف، ليس بينهم غير مائة رجل من ثقيف، وسائرهم من مكة سادتها ومواليها وأحابيشها. وقد أخذوا معهم من العدّة والسلاح الشيء الكثير، وقادوا مائتي فرس وثلاثة آلاف بعير، ومن بينهم سبعمائة دراع.

تهيأ القوم للمسير بعد أن أجمعوا عليه والعبّاس بن عبد المطلب عم النبيّ بينهم واقف على أمرهم مطّلع على كل دقيق وجليل من شأنهم. وكان العباس على حرصه على دين آبائه ودين قومه يحسّ لمحمد شعور العصبيّة وشعور الإعجاب، ويذكر له حسن معاملته إياه يوم بدر. ولعل الإعجاب والعصبية اللذين جعلاه يشهد مع محمد بيعة العقبة الكبرى ويخاطب الأوس والخزرج بأنهم إن لم يكونوا مانعي ابن أخيه مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم فليدعوه إلى أهله يذودون عنه ذيادهم من قبل، هما اللذان دفعاه حين أجمعت قريش المسير في هذا العدد العظيم إلى أن يكتب كتابا يصف فيه صنيعهم وجمعهم وعدّتهم وعديدهم، ويدفع به إلى رجل غفاريّ يسير به إلى النبيّ حتى يبلغ المدينة في ثلاثة أيام فيدفعه إليه. فأمّا قريش فسارت حتى بلغت الأبواء، ومرّت بقبر آمنة بنت وهب، فدفعت الحميّة بعض الطائشين منها إلى التفكير في نبشه. ولكن زعماءها أبوا عليهم هذه الفعلة، حتى لا تكون سنة عند العرب، وقالوا لا تذكروا من هذا شيئا؛ فلو فعلنا نبشت بنو بكر وبنو خزاعة موتانا. وتابعت قريش مسيرها حتى بلغت العقيق، ثم نزلت عند السفوح من جبل أحد على خمسة أميال من المدينة.

رسول العباس إلى النبي

وبلغ الغفاري الذي بعثه العبّاس بن عبد المطلب بكتابه المدينة، فوجد محمدا بقباء، فذهب إليه فألفاه على باب المسجد هناك يركب حماره، فدفع إليه الكتاب، فقرأه عليه أبي بن كعب، فاستكتمه محمد ما فيه وعاد إلى المدينة فقصد إلى سعد بن الرّبيع في داره فقصّ عليه ما بعث العباس به إليه واستكتمه أيضا إيّاه. على أن زوج سعد كانت بالمنزل وكانت تسمع ما دار فلم يبق سرّا. وبعث محمد ابني فضالة أنسا ومضنسا يتنطسان خبر قريش، فألفياها قاربت المدينة وأطلقت خيلها وإبلها ترعى زروع يثرب المحيطة بها. وبعث محمد من بعدهما الحباب بن المنذر بن الجموح. فلمّا جاءه من خبرهم بالذي أخبره العباس أخذته عليه السلام الحيرة.

وخرج سلمة بن سلامة، فإذا طليعة خيل قريش تقارب المدينة وتكاد تدخلها، فعاد فخبّر قومه بما رأى.

فخشي الأوس والخزرج وأهل المدينة جميعا عاقبة هذه الغزوة التي أعدّت لها قريش خير ما أعدت في تاريخ حروبها، حتى لقد بات وجوه المسلمين من أهل المدينة وعليهم السلاح بالمسجد خوفا على النبيّ، وحرست المدينة كلها طيلة الليل. فلما أصبحوا جمع النبيّ أهل الرأي من المسلمين ومن المتظاهرين بالإسلام- أو المنافقين على ما كانوا يدعون يومئذ وما نعتوا في القرآن وجعلوا يتشاورون؛ كيف يلقون عدوّهم.

القائلون بالتحصن بالمدينة

رأى النبيّ عليه السلام أن يتحصّنوا بالمدينة وأن يدعوا قريشا خارجها، فإذا حاولوا اقتحامها كانوا أهلها فكانوا أقدر على دفعهم والتغلّب عليهم. ورأى عبد الله بن أبيّ بن سلول رأى النبيّ وقال: «لقد كنّا يا رسول الله نقاتل فيها ونجعل النساء والأطفال في هذه الصّياصي ونجعل معهم الحجارة، ونشبك المدينة بالبنيان، فتكون كالحصن من كل ناحية، فإذا أقبل العدوّ رمته النسوة والأطفال بالحجارة وقابلناه بأسيافنا في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015