استعداد قريش بمكة- خروجها للغزو- كيف علم به محمد- تشاور المسلمين في التحصن بالمدينة أو الخروج لملاقاة العدو- انتصار المسلمين ثم هزيمتهم- خروج النبي من المدينة غداة أحد ليلحق بالمنتصرين فيغزوهم- عودة أبي سفيان وقريش إلى مكة.
لم يهدأ منذ بدر لقريش بال، ولم تغنها غزوة السويق شيئا، وزادتها سرية زيد بن حارثة التي أخذت تجارتهم حين سلوكها سبيل العراق إلى الشام حرصا على الثأر واذّكارا لقتلى بدر. وكيف لقريش نسيانهم وهم أشراف مكة وساداتها وذوو النخوة والكرامة من كبارها! وكيف لها نسيانهم وما تزال نساء مكة تذكر كلّ منهن في القتلى لها ابنا أو أخا أو أبا أو زوجا أو حميما، فهي له تتوجّع وعليه تبكي وتولول! هذا، وكانت قريش- منذ قدم أبو سفيان بن حرب بالعير التي كانت سبب بدر من الشام وعاد الذين شهدوا بدرا وسلموا من القتل فيها- قد وقفت العير بدار الندوة، واتّفق كبراؤها: جبير بن مطعم وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وحويطب بن عبد العزّى وغيرهم، على أن تباع العير وأن تعزل أرباحها وأن يجهّز بها جيش لقتال محمد، جرّار في عدده وعدّته، وأن تستنفر بها القبائل ليشاركوا قريشا في أخذهم بالثأر من المسلمين. وقد استنفروا معهم أبا عزّة الشاعر الذي عفا عنه النبيّ من أسرى بدر، كما استنفروا معهم من اتّبعهم من الأحابيش. وأصرّت النسوة من قريش على أن يسرن مع الغزاة. فتشاور القوم؛ فمن قائل بخروجهن، «فإنه أقمن أن يحفظكم (?) ويذكركم قتلى بدر، ونحن قوم مستميتون لا نريد أن نرجع إلى دارنا حتى ندرك ثأرنا أو نموت دونه» . ومن قائل: «يا معشر قريش! هذا ليس برأي أن تعرضوا حرمكم لعدوّكم، ولا آمن أن تكون الدّبرة (?) عليكم فتفضحوا في نسائكم» . وبينما هم يتشاورون صاحت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان بمن يعترض خروج النساء: «إنك والله سلمت يوم بدر فرجعت إلى نسائك. نعم تخرج فنشهد القتال، ولا يردّنا أحدكما ردّت الفتيات في سفرهم إلى بدر حين بلغوا الجحفة (?) فقتلت الأحبّة يومئذ أن لم يكن معهم من يحرّضهم» . وخرجت قريش ومعها نساؤها وعلى رأسهن هند وهي أشدهن على الثأر حرقة، أن قتل يوم بدر