في حين حاولت أصوات خفية أن تستوقف النبي الذي رأى في إخلاصه لرسالته أن ليس لغير الله أن يستوقف حيث شاء دابته. وبلغ بيت المقدس، فقيّد محمد دابته وصلى على أطلال هيكل سليمان ومعه إبراهيم وموسى وعيسى. ثم أتى بالمعراج فارتكز على صخرة يعقوب وعليه صعد محمد سراعا إلى السموات، وكانت السماء الأولى من فضة خالصة علقت إليها النجوم بسلاسل من ذهب، وقد قام على كل منها ملك يحرسها حتى لا تعرج الشياطين إلى علو عليها أو يستمع الجن منها إلى أسرار السماء. في هذه السماء ألقى محمد التحية على آدم، وفيها كانت صور الخلق جميعا تسبح بحمد ربها. ولقي محمد في السموات الست الآخرى نوحا وهارون وموسى وإبراهيم وداود وسليمان وإدريس ويحيى وعيسى. ورأى فيها ملك الموت عزرائيل، بلغ من ضخامته أن كان ما بين عينيه مسيرة سبعين ألف يوم، ومن سلطانه أن كانت تحت إمرته مائة ألف فرقة، وكان يسجل في كتاب ضخم أسماء من يولدون ومن يموتون. ورأى ملك الدمع يبكي من خطايا الناس، وملك النقمة ذا الوجه النحاسي المتصرف في عنصر النار والجالس على عرش من لهب. وقد رأى كذلك ملكا ضخما نصفه من نار ونصفه من ثلج وحوله من الملائكة فرقة لا تفتر عن ذكر الله قائلة: اللهم قد جمعت الثلج والنار! وجمعت كل عبادك في طاعة سنتك. وكان في السماء السابعة مقرّ أهل العدل ملك أكبر من الأرض كلها، له سبعون ألف رأس، في كل رأس سبعون ألف فم، في كل فم سبعون ألف لسان، يتكلم كل لسان سبعين ألف لغة، من كل لغة سبعين ألف لهجة، وكلها تسبح بحمد الله وتقدّس له.

«وبينما هو يتأمل هذا الخلق الغريب إذا به ارتفع إلى قمّة سدرة المنتهى، تقوم إلى يمين العرش وتظلّ ملايين الملايين من الأرواح الملائكية. وبعد أن تخطى في أقل من لمح البصر بحارا شاسعة ومناطق ضياء يعشى وظلمة قاتمة وملايين الحجب من ظلمات ونار وماء وهواء وفضاء، يفصل بين كل واحد منها وما بعده مسيرة خمسمائة عام، تخطّى حجب الجمال والكمال والسر والجلا والوحدة، قامت وراءها سبعون ألف فرقة من الملائكة سجّدا لا يتحركون ولا يؤذن لهم فينطقون. ثم أحسّ بنفسه يرتفع إلى حيث المولى جلّ شأنه، فأخذه الدّهش وإذا الأرض والسماء مجتمعتان لا يكاد يراهما، وكأنما ابتلعهما الفناء فلم ير منهما إلا حجم سمسمة في مزرعة واسعة. وكذلك يجب أن يكون الإنسان في حضرة ملك العالم.

«ثم كان في حضرة العرش وكان منه قاب قوسين أو أدنى، يشهد الله بعين بصيرته، ويرى أشياء يعجز اللسان عن التعبير عنها وتفوق كل ما يحيط به فهم الإنسان. ومدّ العليّ العظيم يدا على صدر محمد والآخرى على كتفه، فأحسّ النبيّ كأنه أثلّج إلى فقاره، ثم بسكينة راضية وفناء في الله مستطاب.

«وبعد حديث لم تحترم كتب الأثر المدققة قدسيته أمر الله عبده أن يصلي كل مسلم خمسين صلاة في كل يوم. فلما عاد محمد يهبط السماء لقي موسى؛ فقال ابن عمران له:

«كيف ترجو أن يقوم أتباعك بخمسين صلاة في كل يوم؟! لقد بلوت الناس قبلك، وحاولت مع بني إسرائيل كل ما يدخل في الطوق محاولته، فصدّقني وعد إلى ربنا واطلب إليه أن ينقص الصلوات.

«وعاد محمد فنقص عدد الصلوات إلى أربعين وجدها موسى فوق الطاقة، وجعل يردّ خليفته في النبوّة إلى الله مرّات عدّة حتى انتهت الصلوات إلى خمس.

«وذهب جبريل بالنبي فزار الجنّة التي أعدّت للمتقين بعد البعث. ثم عاد محمد على المعراج إلى الأرض، ففكّ البراق وامتطاه وعاد من بيت المقدس إلى مكة على الدابة المجنّحة» .

هذه رواية المستشرق در منجم عن قصة الإسراء والمعراج. وأنت تقع على ما قصّه منثورا في كثير من كتب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015