محمد يخطب عائشة ويتزوج من سودة

زاد عناد هذه القبائل محمدا عزلة، كما زاده إمعان قريش في أذى أصحابه ألما وهمّا. وانقضى زمن الحداد على خديجة، ففكر في أن يتزوّج؛ لعلّه يجد في زوجه من العزاء ما كانت خديجة تأسو به جراحه. على أنه رأى أن يزيد الأوصار بينه وبين السابقين إلى الإسلام متانة وقربى، فخطب إلى أبي بكر ابنته عائشة. ولمّا كانت لا تزال طفلة في السابعة من عمرها عقد عليها ولم يبن بها إلا بعد سنتين حين بلغت التاسعة. وفي هذه الأثناء تزوّج من سودة أرملة أحد المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة وعادوا إلى مكة وماتوا بها. وأحسب القارئ يلمح ما في هاتين الصلتين من معنى يزداد وضوحا من بعد في صلات زواج محمد ومصاهرته.

الإسراء سنة (621 م)

في هذه الفترة كان الإسراء والمعراج. وكان محمد ليلة الإسراء في بيت ابنة عمه هند ابنة أبي طالب، وكنيتها أم هانئ. وقد كانت هند تقول: «إنّ رسول الله نام عندي تلك الليلة في بيتي فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا. فلما كان قبيل الفجر أهبّنا رسول الله؛ فلما صلّى الصبح وصلينا معه قال: يا أمّ هانئ لقد صلّيت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين فقلت له: يا نبيّ الله لا تحدّث به الناس فيكذّبوك ويؤذوك. قال: والله لأحدّثّنهموه» .

الإسراء بالروح أم بالجسد

يستند الذين يقولون بأنّ الإسراء والمعراج إنما كانا بروح محمد عليه السلام إلى حديث أم هانئ هذا، وإلى ما كانت تقوله عائشة: ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله أسرى بروحه. وكان معاوية بن أبي سفيان إذا سئل عن مسرى الرسول قال: كانت رؤيا من الله صادقة. وهم يستشهدون إلى جانب ذلك كله بقوله تعالى: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (?) .

وفي رأي آخرين أن الإسراء من مكة إلى بيت المقدس كان بالجسد، مستدلّين على ذلك بما ذكر محمد أنه شاهد في البادية أثناء مسراه مما سيأتي خبره، وأن المعراج إلى السماء كان بالروح. ويذهب غير هؤلاء وأولئك إلى أن الإسراء والمعراج كانا جميعا بالجسد. وقد كثرت مناقشات المتكلمين في هذا الخلاف حتى كتبت فيه ألوف الصحف. ولنا في حكمة الإسراء رأي نبديه. ولسنا ندري أسبقنا إليه أم لم نسبق. لكنا قبل أن نبدي هذا الرأي، بل لكي نبديه، يجب أن نروي قصة الإسراء والمعراج على نحو ما جاءت به كتب السيرة.

تصوير الإسراء في كتب السيرة

سرد المستشرق در منجم هذه القصة مستخلصة من مختلف كتب السيرة في عبارة طلية رائعة، هذه ترجمتها: «في منتصف ليلة بلغ السكون فيها غاية جلاله، وصمتت فيه طيور الليل وسكتت الضواري، وانقطع خرير الغدران استيقظ محمد على صوت يصيح به: أيها النائم قم. وقام فإذا أمامه الملك جبريل وضّاء الجبين أبيض الوجه كبياض الثلج مرسلا شعره الأشقر، واقفا في ثيابه المزركشة بالدرّ والذهب، ومن حوله أجنحة من كل الألوان ترعش، وفي يده دابة عجيبة هي البراق، ولها أجنحة كأجنحة النّسر انحنت أمام الرسول، فاعتلاها وانطلقت به انطلاق السهم وصفير الرياح، فوق جبال مكة ورمال الصحراء متجهة صوب الشمال. وصحبه الملك في هذه الرحلة، ثم وقف به عند جبل سيناء حيث كلم الله موسى، ثم وقف به مرة أخرى في بيت لحم حيث ولد عيسى، وانطلق بعد ذلك في الهواء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015