يوم، فقد خالف الحنيفيَّة السمحةَ، ولم ينهضْ بأكثر ما ذكرناه ولا تدَبَّر ما يتلوه.
هذا السيدُ العابدُ الصاحبُ كان يقول لما شاخَ: ليتني قبلتُ رُخصةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك قال - عليه السلام - في الصوم، وما زالَ يناقصُه حتى قال له: " صُمْ يومًا وأفْطِرْ يَوْمًا، صَوْمَ أخي داود - عليه السلام - ".
وكلُّ من لم يَزُمَّ نَفْسَه في تعبُّده وأوراده بالسُّنَّة النبوية، يندمُ ويتَرَهّبُ ويسوءُ مزاجُهُ، ويفوتُه خيرٌ كثيرٌ من متابعة سُنَّة نبيِّه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال - صلى الله عليه وسلم - مُعلِّمًا للأمة أفضل الأعمال، وآمرًا بهجر التَّبتُّل والرهبانية التي لم يُبْعث بها، فنهى عن سرد الصوم، ونهى عن الوصال، وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير، ونهى عن العُزبة للمستطيع، ونهى عن ترك اللحم إلى غير ذلك من الأوامر والنَّواهي. فالعابدُ بلا معرفةٍ لكثير من ذلك معذور مأجور والعابدُ العالم بالآثار المحمدية، المتجاوز لها مفضولٌ مغرورٌ، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله تعالى أدومُها وإن قلَّ. أَلْهَمَنا الله وإيّاكُم حُسْنَ المتابعة، وجنَّبنا الهوى والمخالفة. [السير (تهذيبه) 1/ 339].
* وجاء رجل إلى أبي أمامة - رضي الله عنه - فقال: إنه أتاني آت فقال: اعمل مثل عمل أبي أمامة، فقال أبو أمامة: وما عسى أن يبلغ عمل أبي أمامة، أصلي الخمس، وأصوم رمضان، وثلاثة أيام من كل شهر، وإذا صوتت الطير صوت معها، يعني من السحر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 308].
* وعن يحيى بن أَكْثَم قال: صَحِبْتُ وكيعًا رحمه الله في الحَضَرِ والسَّفَرِ، وكان يَصومُ الدَّهْرَ، ويَخْتِمُ القرآن كُلَّ ليلة.
قال الذهبي رحمه الله: هذه عبادةٌ يخضعُ لها. ولكنَّها من مثلِ إمامٍ من الأئمةِ الأثَرية مفضُولةٌ، قد صحَّ نهيُه - عليه السلام - عن صَومِ الدَّهر، وصحَّ أنَّه نهى أن يُقرأ القرآنُ في أقلَّ من ثلاث، والدِّين يُسرٌ، ومتابعةُ السُّنَّة أولى، فرضي الله عن وكيع رحمه الله، وأين مثلُ وكيع؟! ومعَ هذا فكان مُلازِمًا لشُربِ نبيذِ الكوفة الذي يُسِكرُ الإكثارُ منه فكان مُتأولاً في شُربه، ولو تركه تورُّعًا، لكان أولى به، فإنَّ مَنْ تَوقَّى الشُّبهات، فقد استبرأَ لدينِهِ وعِرْضِه، وقد صحَّ النهيُ والتحريمُ للنَّبيذِ