وفي ليلة الاثنين ثاني عشر رمضان صارت فتنة عظيمة بين أوجاق الإنكشارية ووجاق القبقول، لم تعهد منذ زمان، وساعدت القبقول الدالاتية والأكراد والمواصلة. وحاصرت كل حارة جماعة وكانت النصرة للإنكشارية، بعدما ضربوا عليهم المدافع من القلعة يومين وليلة، وقتل جماعة من العامة وقليل من الإنكشارية. لكن قتل من القبقول وأتباعهم خلق كثير، بعدما حاصروا حارة باب السريجة، وملكوها وخربوا بها بعض بيوت ودكاكين، وحاصروا أيضاً حارة الشاغور، حتى أنهم أشرفوا على أخذها، جاء النقيب حمزة أفندي وبعض مشايخ أصلحوا بينهم. ثم بعد اليوم الثالث اختلفوا. وفي عشرين من رمضان جاء حسين باشا والي الشام من الدورة فلم يحرك ساكنا. وكان عيد الفطر نهار الأربعاء. وفي العشر الأول من شوال قدم مصطفى آغا بن علي أفندي الدفتري من إسلامبول برتبة آغا على الإنكشارية، ودخل في عراضة أي موكب لم تُعهد في الدولة الشامية.

وفي تاسع عشر شوال توجه حسين باشا بن مكي والي الإنكشارية أميراً على الحاج الشريف، وذلك بعد ما مشت معه جميع الإنكشارية والقبقول. وكان قبل خروجه للحج جمع أغوات الفريقين، وأصلح بينهما، وكتب حجة عليهم بحضور القاضي والمفتي وأعيان البلدة، مضمونها أن كل من تعدّى يكون عنده مئة كيس لمطبخ السلطان ودمه مهدور. فسكنت البلدة وصارت كقدح اللبن، ولم يحصل أدنى مكدر. وبقيت الراحة إلى يوم الأحد ثالث عشر ذي الحجة، جاء كردي اسمه ولي، وكان من جماعة أسعد باشا بن العظم والي مدينة حلب حالاً. وكان هذا الرجل الكردي له في الشام أسبقية ظلم وعدوان على أهل الشام، فقامت عليه الإنكشارية والعوام وقالوا اقتلوه، فهرب إلى القلعة واحتمى بالقبقول فحموه. وقبل خروج الباشا قامت أهل الشام بصوت واحد إننا لا نريد غريباً في بلدتنا، فأخرج لهم الباشا بيردى بذلك بأن لا يبقى في الشام غريب كيت. فخرج بعد خروج الباشا أناس وبقيت أناس. فلما قدم هذا الرجل تضررت منه العامة والأعيان، وأرسلوا له خبراً أن يرحل بنفسه ويحقن دمه. فأبى الخروج من الشام، وقد طمع بكونه احتمى بالقلعة عند القبقول. فحالاً سكّرت البلد وتجمعت أغوات الإنكشارية وتبعتهم العامة، وقاموا على قدم وساق، فاجتمعت العناتبية والأكراد والدالاتية، فنهضت القبقول وقام معها أهل العمارة، وأغاروا على الدرويشية، وتقاوسوا مع الإنكشارية إلى أن أقبل الليل، فهجموا على حواصل الإنكشارية الملآنة أخشاب وأحرقوها، وكانت تساوي عدة أكياس مال، فقامت الإنكشارية على أهل العمارة وشرّدت أهلها ونساءها وأولادها إلى جامع الأموي، ثم وضعت بها وبأسواقها النار، حتى صارت ساحة سماوية. واشتد الأمر على أهل العمارة من ظلم وعدوان الإنكشارية، وقد أعانهم بالحمية الجاهلية أولاد الحقلة من الميدان ومعهم بعض رجال من الدروز، وفتحوا أبواب المدينة، ولم يُعهد ذلك قبل الآن، وحضروا القبقول ورجعوا كارّين على الموصلية والبغادة والدالاتية وحصروهم، ووقع القتل بين الطائفتين.

وفي ليلة رابع عشر من ذي الحجة خسف القمر خسفاً مهولاً. وفي اثنين وعشرين من ذي الحجة حصلت زلزلة في دمشق لم تُعهد من مدة أعوام، واستمرت عدة أيام بالليل والنهار، وذلك بعدما كُسفت الشمس، حتى رؤيت النجوم نهارا، ولا كانت هذه الأمة تعتبر اعتبارا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015