وفي يوم الثلاثاء وليلة الأربعاء بعد المغرب شاع خبر حتى وصل إلى السرايا بأن أحمد القلطقجي الذي كان من رأس الزرباوات الذي هرب وعصى في جبل الدروز كما أسلفنا ذكره هاجم ليلة الأربعاء على الشام. فما أشأمها من ليلة على أهل الشام من كثرة ما دهمهم من الخوف والرعب والسهر وإخلاء البيوت والدكاكين وقد صفت المتاريس في جميع البوابات. وكانت ليلة من هولها كليلة القيامة، لم تذق أهل الشام بها نوماً قط، وهم ينتظرون طلوع الفجر، فلما لاح لهم لم يجدوا شيئاً مما توهموه، وكان الخبر كاذبا.

وفي يوم الخميس خامس جمادى الثانية مع أذان الظهر كان دخول حسين باشا بن مكي إلى دمشق الشام، والمنفصل عن مدينة غزة التي هي وطنه. ودخل بموكب عظيم حافل بالأفندية وأعيان الشام وبالإنكشارية كلها خيالة، والقبقول كلها مشاة في العدد الكاملة والأسلحة المزخرفة والزينة الشاملة، ووقف العامة والخلق تدعو له، وتصيح وتستغيث من جور أعيان الشام والغلاء. وثاني يوم جاءت الأفندية والأعيان للسرايا لأجل السلام على الباشا، فوقفت الناس والعامة في طريقهم، فلما مروا عليهم ليدخلوا السرايا قامت العامة بالصراخ والضجيج، وصاحوا عليهم وقالوا: ارجعوا لا بارك الله فيكم، أنتم منافقون وتعينوا الحكام على ظلم الفقراء والمساكين، وأكثروا من سبّهم وشتمهم، ورجموهم بالأحجار وصارت حالة مزعجة. ففتح الباشا باب العدل والتفتيش على الرعية، حتى صار رطل الخبز بثلاث مصاري. ثم اشتغل بالظلم كأسلافه، فرجعت الأسعار إلى حالها الأول: كرطل الخبز بخمسة وبستة مصاري، حتى جاءت سقعة وهي شدة برد مؤلمة، فلم تبق ثمرة في شهر آذار إلا أحرقتها. وفي عاشر رجب حصلت سقعة ما سمع بنظيرها، فأتلفت ما بقي إن كان بقي شيء من الثمار.

وفي سابع عشر رجب نهار الأربعاء توفي الشيخ الجليل العالم الفرضي الشيخ عبد الله البصروي الشافعي، علاّمة زمانه في كل فن خصوصاً في علم الفرايض، ودفن بتربة الشيخ أرسلان رحمه الله. وبهذا الشهر الشريف أيضاً قتل رجل في الميدان، ووجدوا ثلاثة أشخاص مذبوحين في تربة البرامكة. وبعشرين من رجب هاجمت المغاربة على الباشا، ثم قوّسوا على العوام، فقتلوا مقدار عشرة رجال وحرقوا أيضاً محلات. وبهذه الأيام وجدوا امرأتان مذبوحتان كذا في تلة باب الصغير. وبهذا الشهر أيضاً وقعت فتنة بين المغاربة واللواند الأكراد، وقتل من الفريقين مقدار خمسة عشر رجلاً وسكّرت الشام، ثم انقضت على الصلح. وفي السابع والعشرين من رجب شنق حسين باشا والي الشام رجلاً من الميدان اتُّهم بالحرام، وكان سابقاً قد قتل أمه ذبحاً.

قال المؤرخ البديري رحمه الله تَعالى: وبهذه الأيام جاء خبر بأن الحاج أسعد باشا بن العظم والي حلب قد جاءه فرمان بأن يسير إلى مصر واليا، فعصت به أهل حلب، وقالوا لا نريد غيره، وكاتبوا الدولة العلية بذلك. ثم بعد أيام جاء مقرَّر حلب لأسعد باشا بن العظم، ولأخيه سعد الدين باشا منصب مرعش، ولأخيه مصطفى باشا منصب الموصل، فذهب كل واحد لمنصبه، وأرسل مصطفى باشا حريمه وأولاده إلى الشام.

وفي أول شعبان خرج حضرة حسين باشا والي الشام إلى الدورة، وأقام متسلماً مكانه حسين آغا ألاي بيك السباهية، فعدل ولم يظلم ولم يتعدَّ على أحد. وقبل خروج الباشا أمر الوجاقين بالصلح وترك الفساد والعناد، وسلمهم البلاد والعباد، وأوقف مصطفى آغا الزعفرنجي اختيار وكبير القبقول تفكجي باشي بباب السرايا، بعد ما ضمن على نفسه إصلاح البلد.

وقد دخل رمضان نهار الخميس، ودخل معه الغلاء الأكبر في الشام في جميع الأصناف، فوصلت غرارة القمح إلى الخمسين غرش، ورطل الخبز من سبع مصاري إلى اثني عشر مصرية، بعدما كان بثلاثة مصاري رطل أعلى خبز، ورطل الأرز بأربعة عشر مصرية، والدبس كذلك والبصل أيضاً، ومد العدس وكذلك الحمص والماش كذا واللوبيا والبرغل بثلاثين مصرية، ومد الشعير باثني عشر مصرية، وأوقية الثوم بمصريتين. والحاصل كل شيء غالي مع قلة الأسباب وقلة الحركة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015