ومات في تلك السنة قبوجى لر أغاصي وشيخ الزبداني، وشنق الباشا السيد حسن شيخ شباب باب المصلى، وقتل أيضاً جماعة من الأشقياء، ودخل الحاج الشريف يوم الثلاثاء خامس صفر. ودخل أمير الحاج أسعد باشا بموكب المحمل يوم الأربعاء، وفي منتصف ربيع الأول نبّه الحاكم على أن لا يروج الفلوس المكسور منهم والرصاص. وثاني يوم نادى المنادي على الفلوس الصحيحة كل اثني عشر بمصرية بعد ما كانت كل أربعة وعشرين بمصرية، وأن لا يروّج منها إلاّ القسطنطيني، فحصل للناس ضيق عظيم، وسكّرت غالب البلد، ثم نادى منادي الحاكم كل أربعة وعشرين بمصرية. وأرجعهم على حالتهم الأولى. ولكن لله الحمد والمنّة، الناس في أمن وأمان ورخص ورخاء في جميع البضائع ما عدا اللحم، فإن رطله بثمانية وعشرين مصرية، وأما غيره فرطل الخبز بثلاثة مصاري وبمصريتين ونصف، وغرارة القمح بخمسة عشر قرشاً أو أقلّ. وعلى هذا فالحمد لله فليقس.

وفي ثالث ربيع الثاني توفي العبد الصالح الشيخ مصطفى الكردي من أبناء الترك والأغوان، فيتكلم بالتركي والكردي والأغواني، وكان على صلاح عجيب، وكان دائماً متسلّحاً بالسلاح الكامل متقلِّداً به ليلاً ونهاراً، ولا ينام إلاّ متقلِّداً به، وإذا دخل الحمّام دخل بالعدّة الكاملة، وكان قليل الكلام لا يتكلم مع أحد، وفي بعض الأوقات يتكلم ويسبّ بالتركي، ويوم وفاته صار له مشهد عظيم، ودفن بمرج الدحداح، رحمه الله تعالى.

وفي تلك الأيام من هذه السنة شرع حضرة أسعد باشا في عمارة القيسارية التي في البزورية التي عزَّ نظيرها في الدنيا، وذلك بعد ما هدم قيساريتين ودور ودكاكين وجعلها قيسارية واحدة بهذه الصفة التي لا نظير لها، وفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الثاني وقع حائط جامع الشيخ عارودك غربي الصالحية على إمام الجامع المذكور وعلى ثلاثة أشخاص معه، فماتوا جميعاً عفى الله عنهم. والعجب أن هؤلاء الأربعة كل واحد منهم اسمه محمد، وهو اتفاق عجيب، ودفنوا بيوم واحد. وفي سلخ ربيع الثاني ربط غلام مراهق رسن فرس في زنّاره، وجلس يتوضّأ على نهر قرية القدم عند قبة العسالي، فجفلت الفرس وصارت تعدو والغلام مربوط برسنها، وتكرّ وترفس الصبي حتى وصلت إلى باب الله، فمسكوا الفرس فوجدوا الغلام قد تهشّم وتطع ومات، والغلام ابن أحمد بشه السحار القبيباتي، والفرس لأبيه. فأعلموا حضرة أسعد باشا حفظه الله فأمر بدفنه، ولم يلحق بأحد ضرراً.

وفي تلك الأيام جاءت خزنة مصر وبقيت أياماً ثم سافرت، وفي تلك الأيام نهبت اللصوص ضرايح الصحابة والأولياء، ففي غرة رجب قلعوا شباك سيدي بلال الحبشي، وأخذوا حديده وثوباً مقصباً كان على تابوته وشدقتين من حرير وسجادتين وغير ذلك. وأخذوا شباك الشيخ عبد الجبار ابن سيدي عبد القادر الجيلاني، مزاره غربي باب الصغير، وأخذ ثوب تابوت سيدي أبي بقبلي مقبرة الشيخ رسلان.

وثاني رجب من هذه السنة توجّه حضرة الوزير الحاج أسعد باشا والي الشام يريد الغزو على عرب البلقاء، فأخذ معه من رجال القرى وهم الفلاحون ألف ومئة فلاح، واستجلب عساكر من حمص وحماة والمعرّة وجبل الدروز والمتاولة ومن نابلس والقدس وصفد ما عدا عرب السردية وغيرها. وخرج بمال عظيم. وسكّرت تلك الأيام الأسواق ومنعت النساء من الخروج وعظمت الأمور. ثم في أثناء هذا الشهر وردت الأخبار بأن حضرة الباشا سار بالعسكر إلى فوق البلقاء، ودخل بمكان يقال له الوكر، وهزم ابن عدوان هو وعربه ونهبوهم العسكر عن بكرة أبيهم. وذهب الباشا إلى الدورة من هناك. وبهذه السنة ثبت رمضان بالرؤيا، فصمنا الاثنين. وفي ليلة العاشر من رمضان جاء الباشا من الدورة، وجاء العسكر مع الكيخية بعد يومين. وفي هذا الشهر فُقد حاجي غريب في خان الحرمين بباب البريد، فاتهموا به رجل من أبناء الترك غلينجي، فقبضوه وعذّبوه وأخذوا ماله وأطلقوه. وبهذا الشهر ظهر قتلى كثيرة من رجال ونساء ولم يُسأل عنهم. وكل شيء موجود والغلاء يلعب في جميع البضائع، وقد شحنت الشام من سائر أصناف الخلق، وامتلأت غالب المواضع، وكان عيد الفطر يوم الأربعاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015