وفي يوم الأربعاء جاء خبر بأن عرب عنزة نهبت عرب الرشا، وأن الأكراد الذين كانوا مع عرب عنزة أخذوا جميع ما نهبوه وسلبوه من مال وجمال وغنم ونساء. وكانت الغنم كثيرة لا يحصي عددها إلا الله، وأن الواقعة كانت مهولة، وأنه قتل من الفريقين خلق كثير. والمساعد للعرب حضرة أسعد باشا على ما قيل. فجاؤوا بالأغنام إلى الشام. وقد كان أهل الشام في غلاء اللحم وأكل الذرة والشعير لهم سنين، فبيع رطل اللحم في هذه السنة بسبعة مصاري وثمانية إلى العشرة، مع علم الناس أنه سلب حرام، فمنهم من ترك أكله وهم أقل من القليل، والباقي وهم عموم الناس لم يبالوا. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

قال المؤرخ البديري رحمه الله: وكان الجراد مفرزا من العام الماضي في الشام وأراضيها، فلما جاء الربيع صار يظهر شيئاً فشيئاً إلى أن ظهر مظهراً شنيعاً، وبدأ يزحف مثل النمل والذر، فبدأ يأكل الزرع ويتلف النبات، فوقعت الناس في كرب عظيم. فنبه حضرة أسعد باشا حفظه الله على الفلاحين عموماً بأن تجمعه وتأتي به. وقد فرض على الأراضي الخُمس كل أرض قنطارين، وكذلك القرى والضياع، كل ضيعة شيئاً معلوماً يجمعونه. فجيء به أحمالاً وأمر به أن يدفن، فدفن منه بعض في مغارة عند مقبرة البرامكة وردم عليه، ثم صاروا يحفرون حفاير في قبور النصارى واليهود ويضعونه فيها. ثم لم يزل يكثر وينتشر، فأمر حضرة أسعد باشا أثابه الله بأن تعاد الفريضة على كل قرية من قرى دمشق، مئتا قنطار، وأن من لم يأت بالمطلوب فعليه جزاء كذا، وأمر أيضاً حفظه الله بعض المأمورين أن تضبط عليهم، وأن يضعوه في جبل الصالحية في آبار ومغاير.

قال المؤرخ البديري: وبلغني أنه في ثلاثة أيام وضعوا في الصالحية ألف وسبع مئة قنطار من الجراد، عدا ما وضع في المغاير والآبار في غير الصالحية.

وفي يوم الاثنين سلخ ربيع الثاني من هذه السنة جاء خبر إلى دمشق بأن الطير المسمى بالسمرمر قد جاء ومرّ على قرية عدرا وضمير، وأتلف من الجراد شيئاً كثيراً، ففرحت أهل البلاد سيما أهل الشام. فخرجت أهل الصالحية ومعهم المشايخ والتغالبة والنساء والرجال والأطفال بالبكاء والعويل والتضرع إلى الله تعالى بدفع هذا البلاء ورفع الغلاء، ثم زينت أهل دمشق فرحاً بوصول السمرمر أحسن زينة.

وفي هذه الأيام شاع خبر بدمشق بأن في الشام امرأة يقال لها السماوية تمسك الأولاد بالاحتيال والرجال أيضاً، لأجل أن تخرج السمّ منهم، فخافت الناس وكثر الفزع، وصارت الناس توصي بهم بعضاً منها. وبعد مدة أيام وقعت ضجة بين الناس، فقيل ما الخبر، قالوا: قبضوا على السماوية، وإذا هي امرأة عجوز قبضت عليها العامة، وخلفها الأولاد والرجال كالجراد، وهم يضربونها ضرباً وجيعاً، وذهبوا بها لعند القاضي، فسألها عن حالها ومن أين أتت. فقالت: والله يا سيدي أنا امرأة فقيرة الحال ولي أولاد وعيال، وهذا القول عني زور وبهتان. قال: فأمر القاضي بتفتيشها وتفتيش بيتها، ففتشوها فإذا معها لعب يلعب بها الأولاد والأطفال، وفي جيبتها طواقي كبار وصغار، ثم ذهبوا وفتشوا بيتها، فلم يجدوا فيه غير متاع عتيق وقطعة من الحصير، ثم شهد جيرانها بأنها امرأة فقيرة الحال، ولها زمان قاطنة في هذا المكان، ولم نعلم لها سوء حال، ثم أطلقوها فذهبت لحال سبيلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015