ثم في تلك الأيام كثر الجراد وأضرّ بالعباد، وكأن الناس لم يجمعوا منه شيء كذا، وهذا كله مع ازدياد الفجور والفسق والغرور والغلاء والشرور. فخرج الشيخ إبراهيم الجباوي ومعه التغالبة بالأعلام والطبول، وقصدوا زيارة السيدة زينب، واستغاثوا عندها بكشف البلاء عن العباد، ورجعوا آخر النهار، ثم داروا حول مدينة دمشق، ومروا أمام باب السرايا وعملوا دوسة، وصار حال عظيم وبكاء شديد، وشعلت قناديل الرجال أصحاب كذا، وهم يدعون بهلاك الجراد ورفع البلاء. وبعد يومين جاءت أهل الميدان بطبول وأعلام وحال وصريخ، وقصدوا جامع المصلى بالدعاء برفع الجراد وهلاكه. ويقولون: يا من له المراد في كل ما أراد، بالمصطفى الحبيب فرّج عن البلاد فلم يفد ذلك. فكيف يفيد ذلك وأكثر النساء قد باحت، وبنات الهوى وهم كذا الخاطئات دائرات ليلاً ونهاراً بالأزقة والأسواق، ومعهم الدالاتية والفسّاق، ولا أحد يتكلم بقيل وقال، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن المنكر، والصالح في همّ وكرب، والفاجر والطالح متقلب في لذيذ نعيم، اللهم فرّج آمين.
وفي يوم الخميس ثامن جمادى الأولى من هذه السنة أمر حضرة الباشا على الإنكشارية في الشام والزعماء والسباهية وكل قرية عشرة أنفار بالمسير إلى جبل الدروز، وأمر أن تعمّر في البقاع أفران لأجل خبيز الخبز. وبلغنا أنه جاءه فرمان بأن يكون معه باشا صيدا وباشا طرابلس لمساعدته، وأمر المتاولة بأن تساعده على حربهم. وكان الزمن في شهر أيار، والزروع في الأرض باقية، ما حصد منها شيء، فخافت الخلق من تلك الأحوال، والغلاء واقع بالشام، ورطل الخبز من سبعة إلى ثمان مصاري.
وفي ليلة الخميس خامس عشر جمادى الأولى من هذه السنة قتل أسعد باشا العظم السيد صالح بن إبراهيم بيك السوقية. فسألنا عن السبب، فقيل إن أباه اشتكى للباشا أن ولده صالح تكلم مع أبيه بكلام فاحش، وأراد أن يقوّسه، فأرسل حضرة الباشا وأمر أن يؤتى بولده مهانا، وعند المساء أمر بخنقه فخنق ورمي، والأمر لله.
وفي يوم الجمعة بعد الصلاة برز حضرة أسعد باشا إلى المرجة وأمر بأن تعرض عليه عسكر الشام من الإنكشارية والزعماء، ثم رحل، وبعد ثلاث أيام من رحيله تبعته أوجاقات الشام. ولما وصل إلى البقاع خرّب بعض قرى للدروز وحرق ونهب وقتل، ثم أغار هناك على عرب يقال لهم الفريخات، وهاوشوه مدة أيام، ثم نجوا بطرشهم والعيال، وتركوا الخيام والمال، وذلك بعدما قتلوا جماعة من عسكر الباشا وجرحوا. وبلغنا أنهم كانوا طائعين. وأرسل يطرح بقرهم على الضيع والأصناف، وعمل عملاً يؤدي إلى الخلاف، ثم نزل في البقاع وأمر بحصد زرع الدروز، فحصدوا مغل البقاع. والغلاء متزايد، والجراد في أرض الشام زايد، لكن الله ملجمه رحمة بخلقه.
وفي يوم الخميس ثامن جمادى الثانية قبل قدوم مربعانية الصيف بخمسة أيام صار رعد وبرق مخوف، وأرمت السماء بمطر كأفواه القرب، وقبل ذلك بأيام صار رعد كثير من غير مطر. فهذه الأحوال عبرة لمن اعتبر.
وقد بلغني عن حضرة أسعد باشا حينما كان بجبل الدروز أنه جاءته شكاية من أهل قتيل سني على رجل درزي، أنه كان مشاركاً لرجل تركماني على نحو خمس مئة رأس غنم، وأن الدرزي اغتال شريكه التركماني فقتله، فأمر حضرة الباشا أن يفتش على الدرزي، فقبض عليه وأمر بقتله، فقتل، واستلب الغنم التي عنده وأرسلها إلى الشام، وبيعت طرحاً على لحامة الشام، كل رأس بثمانية غروش، والذين اشتكوا ما أعطاهم درهماً ولا ديناراً، ولله الأمر.
وفي هذه الأيام ورد إلى دمشق الشام ثلاثة يهود من مدينة حلب، ولهم مهارة في ضرب الآلات بأحسن النغمات، فصاروا يشتغلون في قهاوي الشام، ويسمعهم الخاص والعام.