وفي نهار الجمعة في الثاني والعشرين من شهر شعبان من هذه السنة قدم محمد آغا بن فروخ بمنصب دفترية الشام، مكان فتحي أفندي الفلاقنسي، وأقام في داره المشهورة بهم.
وفي خلال هذه الأيام زاد الهم على الناس واشتد بهم وقوف الحال مع شدة الغلاء، والخبز بستة مصاري كما قدّمنا، حتى صار رأس الكرنب الذي قدر النارنجة بمصريتين، والباقي على هذا المنوال فالأمر لله الملك المتعال.
وفي خلال هذه الأيام من هذه السنة جاء مقرر طرابلس الشام إلى حضرة سعد الدين باشا، وكان مع أخيه في الدورة، فرجع مع أخيه إلى دمشق، وأقام قليلاً، وسار طالباً منصبه، وفقه الله.
وفي هذه السنة كان ثبوت رمضان ليلة الاثنين، والعيد الأربعاء والصوم تمام.
وفي نهار الجمعة بعد الصلاة في سبعة شوال من هذه السنة خرج حضرة والي الشام وأمير الحاج أسعد باشا العظم قاصداً الحج الشريف، والحاج خرج يوم عشرين. ولما سافر حضرة الباشا ترك المتسلم بها وهو موسى كخية مكانه في الشام. فجاءه الخبر بأن الزرباوات وهم الأشقياء المطرودون مرادهم بأن يأتوا إلى الشام على حين غفلة من أهله، ويقتلوا جماعة من الذين تسببوا في طردهم، فاضطرب المتسلّم المذكور، وأرسل استجلب عبد الله الترك آغة الدالاتية المطرود وقوى شوكته وكثر جماعته. وصار محمود آغا آغة الدالاتية التفكجية يدور ويطوف ليلاً خارج دمشق، والدالاتية تحوم حول البلد، وقد أقلقوا الخلق وزاد النكد، ولا زال هذا الحال مدة غيبة الباشا والحاج.
سنة 1160
ثم دخلت سنة ستين ومئة وألف، وكان غرة محرمها نهار الخميس، وفي نهار الاثنين خامس محرم الحرام من هذه السنة الموافق لأول كانون الثاني زادت المياه بسبب سيل عظيم، ودخوله للشام كان نصف الليل، فحصل طوفان لم يسمع له نظير من قديم الزمان، هجم الماء من نصف الليل إلى الشام، وأغرق جميع ما كان في طريقه من الدكاكين، وأتلف أموالاً كثيرة لا تعد ولا تحصى، حتى صار المرجة كالبحر، ومع ذلك الماء يخطف الطير، وله خرير ودويّ وهدير. وقد غطت هذه الزيادة حجر تاريخ القلعة، ومرت في الأسواق والدور وأخرجت شيئاً غير محصور، وقد صارت تحت القلعة وفي المناخ بالارتفاع طول قامة الإنسان.
قال المؤرخ البديري: وقد دخلت إلى قهوة المناخلية بعد انصراف الماء فوجدت الماء في أعلى مساطبها أعلى من ذراع، وقد شاب من هولها الكبير والصغير. وقد غرق بها أناس غير محصورين، مع ما أتلف من البهائم والأموال وقد أضرت بجميع ما مرت عليه وانهدمت أماكن كثيرة لا تحصى وتركتها بلاقع. نسأله تعالى اللطف في المقدور آمين.
وفي خامس صفر كان قدوم الحاج الشريف، وقد أخبرت الحجاج بأن هذه السنة من أجمل السنين وأحسنها، وجميعهم شاكرون وداعون لحضرة أسعد باشا بالدوام، من كثرة ما حصل لهم في الطريق من الراحة والخير والإنعام من حضرة الباشا لعموم الحجاج، فجزاه الله أحسن الجزاء آمين.
وقدم مع أسعد باشا من الحجاز في هذه السنة باكير شاه والي جدة، وأقام في دار فتحي أفندي المتقدم نحو شهرين في الشام، ثم سار قاصداً حماه، ولم يعلم ما سبب مجيئه. وعاد أيضاً مع الركب الشامي شيخ الإسلام وأقام مدة في الشام، وسار طالباً إسلامبول. وكان رجلاً كبير السن وقوراً، ما حرّك ساكناً في الشام مدة إقامته.
وبعد قدوم الحج خزنة مصر إلى الشام، وقد تأخرت عن ميعادها. وقد شدد الطلب حضرة أسعد باشا بعد مجيئه من الحج على الزرب الأشقياء، فقبضوا على أمين ابن الحديد وعلى عبده بن حمزة عنبر، فأمر بقتلهما فقتلا شر قتلة. وقد زادت الدالاتية الاعتداء والجور، وخربوا البلاد والقرى، فكثرت الشكاية منهم إلى والي الشام أسعد باشا، فكتب للدولة عليهم في شأنهم، فجاءه مرسوم بإبادتهم، فأمر منادياً أن ينادي كل من أقام من الدالاتية في الشام أكثر من ثلاثة أيام من أهل الفساد والعناد فدمه مهدور، ثم بعد أيام ظهرت الدالاتية ولم تتم القضية والحكم لله عالم الخفيّة.