تشارّه، فقال: لو أتيتُ بها دمشق فإنَّها أرضٌ وبئةٌ فلعلَّها تموت، فقدم بها دمشق، وقال:

دمشقُ خُذيها واعْلَمي أنَّ ليلةً ... تمرُّ بعُودَي نعشِها ليلةُ القدرِ

شربتُ دماً إن لم أرُعْكِ بحُرَّةٍ ... بعيدةِ مهوَى القُرط طيِّبةِ النَّشرِ

يجرِّعُكِ السّمَّ الذُّعافَ لِقاؤها ... فتُغضِينَ من غيظ على لهب الجمرِ

تقولُ لكِ الجاراتُ صبراً وإنَّما ... يُجرِّعكِ الجاراتُ كأساً من الصَّبرِ

وقريبٌ منه قول جِران العَود أو غيره:

مَن كانَ أصبحَ مسروراً بزوجته ... من الأنام فإنِّي غيرُ مسرورِ

كأنَّ في البيتِ بعد الهدءِ راصدةً ... غُولاً تصوَّرُ لي في كلِّ تصويرِ

شوهاءُ زرقاءُ مسنونٌ أظافرُها ... لم تُلفَ إلاَّ بشعرٍ غير مَضفورِ

مَشُومَة الوجه نحسٌ ما تُفارقُهُ ... كأنَّها دِبْقةٌ في رِيشِ عصفورِ

كأنَّني حين ألقَى وجهَها بُكراً ... هوى إلى اللَّيل يومي ذاك في بِيرِ

ومثله لآخر:

وما تستطيع الكُحلَ من ضيق عينها ... فإنْ عالَجتْهُ صارَ فوقَ المحاجرِ

وفي حاجبَيْها جَزَّةٌ لغرارةٍ ... فإنْ حُلِقا كانا ثلاث غرائرِ

وثَديان أمَّا واحدٌ فكموزةٍ ... وآخرُ فيه قِربةٌ لمُسافرِ

مثله لسماك بن فرقد:

أعوذُ بالله من وَرهاءَ عاضِهةٍ ... كأنَّها حين تأتي بيتَها غُولُ

لا يُعجبُ المرءَ منها حين يجعلُها ... من دون أثوابهِ عَرضٌ ولا طولُ

كأنَّها مِشجَبٌ سُكَّتْ مآسرُه ... أو طائرٌ من طُيور الماءِ مَهزولُ

مثله لجران العود في امرأتين كانتا له وطالبه بعض غرمائه أن يحلف بطلاقهما فقال:

لو يعلمُ الغُرماءُ مَنْزِلَتيهما ... ما حلَّفوني بالطَّلاق العاجلِ

لا حلوتانِ فتُهوَيا لحلاوةٍ ... تَشفِي النّفوسَ ولا لدَلٍّ عاسِلِ

قد ملَّتا من وجهَيْهما ... عَجفاءَ مُرضعةٍ ونِقْضة حائلِ

وله أيضاً:

يقولون في البيتِ لي نَعجةٌ ... وفي البيت لو يعلَمون النَّمِرْ

أحِبِّي ليَ الخيرَ أو أبغِضِي ... كِلانا بصاحبِه ينتَظِرْ

مثله لمسكين الدَّارميّ:

تُلفَى عُروبتُهنَّ وهيَ ضعيفةٌ ... في البيتِ تحسبُ بعلَها مَصفودا

وتظلُّ خاشعةً تُضائلُ طرفَها ... للمَكْر وهيَ تُفلِّقُ الجُلمودا

مثله لحُميد بن ثَور:

لقد ظلمتْ مِرآتَها أُمُّ مالكٍ ... بما لامتِ المرآةَ بانَ مُحَرَّدا

أرَتْها بخدَّيها غُضوناً كأنَّها ... مَجَرُّ غُصون الطَّلْح ما ذُقن فَدفَدا

رأتْ مَحجراً تبغِي الغطاريفُ غيرَهُ ... وفَرعاً أبَى إلاَّ انْحداراً فأصْعَدا

وأسنانَ سَوءٍ شاخصاتٍ كأنَّها ... سَوامُ أُناسٍ سارحٌ قد تبدّدا

فأُقسمُ لولا أنَّ حُدْباً تتابعتْ ... عليَّ ولم أبرحْ بدَينٍ مُطرَّدا

لزاحمتُ مِكْسالاً كأنَّ ثيابَها ... تُجِنُّ غزالاً بالخميلة أغْيَدا

في غير هذا المعنى للرَّاعي:

ظلِلتُ بيومٍ عندهنَّ تغيَّبتْ ... نحوسُ جوارِيه ومرَّتْ سُعودُها

فلا يومُ دُنيا مثلُه غيرَ أنَّنا ... نرَى هذه الدُّنيا قليلاً خلودُها

ابن الدُّمينة:

تناسَ هوَى عَصماءَ إمَّا نأيْتَها ... وكيف تَناسيك الَّذي لستَ ناسِيا

لعمري لئنْ عَصماءُ شطَّ مزارُها ... لقد زوَّدتْ زاداً وإنْ قلَّ باقِيا

وما هيَ من عصماءَ إلاَّ تحيَّةٌ ... تُودِّعُنِيها حين حُمَّ ارْتحاليا

لياليَ حلَّتْ بالقَريين حَلَّةً ... وذِي مَرَخٍ يا حبَّذا ذاك وادِيا

خليليَّ مِن بين الأخِلاَّءِ لا تكنْ ... حِبالُكما أُنشوطةً من حِبالِيا

ولا تَشقَيا قبلَ المماتِ بصُحبَتي ... ولا تَلْبَساني لُبسَ من كانَ قالِيا

فإنَّ فِراقي سوف يُخلِفُ عبرةً ... وَشيكاً وإنْ صاحَبْتماني لَياليا

مسافر بن ترهيه العجليّ، وتروى لغيره:

أيا عَلْوَ إنْ شطَّتْ بكِ الدَّارُ والتوَتْ ... جبال الأعادِي بيننا فاذْكُرِي وصْلِي

فتًى يكره القِرنُ المُكمَّى لقاءهُ ... ويهوَى ذَراهُ الضَّيفُ في السّنة المحلِ

فتًى يأمَن الحيرانُ خِذلانَه لهم ... إذا طَرَقَتْ إحدى الأوابدِ بالأزْلِ

عويف القوافي:

وما زُرْتنا في اليوم إلاَّ تَعِلَّةً ... كما القابسُ العجلانُ ثمَّ يغيبُ

ولا أنتِ يقظَى تُسعِفين بنائلٍ ... ولا نائلٌ في النَّوم منكِ يُصيبُ

وله أيضاً:

عَهدي بقومي في السِّنينَ إذا ... قُحِط الزَّمانُ قُدورُهم تغلِي

نيرانُهم علمٌ لجارِهمُ ... يأتمُّ بالنِّيران في المحلِ

فغَبَرْتُ في قوم يرَون لهم ... فضلاً على الأقوامِ بالبُخلِ

من جادَ لاموه ومَن بخِلتْ ... كفَّاهُ بالمعروفِ والفضلِ

حَمِدوا ثناهُ وقال قائلُهم ... حسنُ المروءةِ جيِّد العقلِ

سَماعة بن أشول:

تُجير من الأحداث في آلِ خِندِفٍ ... وكيف وأنت المُستجارُ تُجيرُ

رأيتُ ابن سلمَى يسلِمُ الجار للفتَى ... ويخلفُهُ في أهله ويَزورُ

المجنون وقد رُويت لجميل:

فلم أرَ مثلَ العامريَّة لما ... ولا لنا على طالبِ الوَصْلِ

ولا مثلَ جاراتٍ لها شَبَهِ الدُّمى ... عِذابِ الثَّنايا قد عزمنَ على قتلِي

ابن هَرْمة يمدح:

مُستحصدٌ كعَلاة القَين وقَّرَهُ ... وقعُ الخُطوب وحالاتٌ ومُختبَرُ

في الدِّرعِ ليثٌ وفي النَّكراءِ داهيةٌ ... والأزْمِ غيثٌ وفي نادِيّهِ القمرُ

طُريح:

عليهِ فَضفاضةُ الأردانِ ضافيةٌ ... كأنَّما جالَ في أرجائِها النُّورُ

يَفيءُ عنها سنانُ الرُّمح مُنثلِماً ... وينثَنِي السَّيفُ عنها وهْوَ مَطرورُ

حدَّثنا ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي قال: حجَّ وفاء بن زهير المازنيُّ فرأى في نومه كأنَّه حاض، فغمَّه ذلك فقصَّ رؤياه بسوق عكاظ على قسّ بن ساعدة الإيادي، فقال له: أغدرت بذمَّة جارٍ؟ قال: لا، قال: أفغدر أحدٌ من أهلك؟ قال: لا أعلم، فقدم على أهله فوجد أخاه قد قتل جاراً له، فانتضَى سيفه فناشده أخوه الرَّحِم وخرجت أُمُّه مُبديةً شعرَها قد أظهرت ثدييها تناشده الله في قتل أخيه، فقال لها: فعلام سمَّيتني وفاء؟ ثمَّ ضرب أخاه ضربةً قتلته وقال:

يُناشدُنِي قيسٌ قرابةٌ بَيننا ... وسَيفي بكفِّي وهوَ مُنجردٌ يسعَى

غدرتَ فما بيني وبينك ذِمَّةٌ ... تُجيرك من سيفي ولا رَحِمٌ تُرعَى

على مَ أُسمَّى بالوفاء إذا جرَى ... ليَ الغدرُ في شِرْب المُجاور والمَرعَى

سأرحَضُ عنِّي ما فعلتَ بضربةٍ ... عقيمِ البَدِيِّ لا تكرُّ ولا تُثنَى

الأصل في بيته الأخير قول طرفة:

حُسامٍ إذا ما قمتُ مُنتصراً بهِ ... كفَى البَدءُ منه العَودَ ليس بمِعْضَدِ

مثله للبطين المصريّ:

وحسام لا يُعادُ به ... ضربةٌ كالكوكب الكُفَتِ

وُصلتْ بالموت هبَّتُهُ ... كاتّصال السُّمّ بالحُمَةِ

فإذا قابلتُ مُعضلةً ... كانَ مَصْغاتي ومُلتَفَتِي

مسعود بن عرجفة اللَّيثيّ:

وأبيضَ زَوْلٍ بين أثناءِ قولِه ... بِعادٌ وتقريبٌ ويأسٌ ومَطمَعُ

إذا أمَّهُ الرَّاجي انثنى عن فنائهِ ... وفُوهُ من التَّقريظ ملآنُ مُترَعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015