أبو حيّة النّميريّ:

وهادَينَنا ما في الصُّدور بأعيُنٍ ... كفى وحْيُها من أن تقولَ وتُرسِلا

عشيّةَ أذرَينَ الدُّموعَ فلم نجِدْ ... على أحدٍ إلاَّ البكاءَ مُعوَّلا

الأزرق بن الأكحل الحِمّانيّ يصف نخلاً:

صفا بُسْرُها واخْضرَّتِ العُشْبُ بعدما ... علاها اغْبِرارٌ لانْضمام الغَلاصمِ

وشاهدَ مالاً ضاع ريّاً فساسَهُ ... سياسةَ حُرٍّ حازمٍ وابنِ حازمِ

أدام له العَصْرَين ريّاً ولم يكنْ ... كمن ضَنَّ عن عُمرانها بالدَّراهمِ

وما الأصلُ ما روَّيتَ مضرِبَ عِرْقه ... من الماءِ عن إصلاح فرعٍ بنائمِ

رويد بن وابصة الكِنانيّ:

كفى لك أنْ تخيَّرَها كريمٌ ... له في كلّ مكرُمةٍ يمينُ

يُقسِّمُ مالهُ والرّوض يُنْدي ... وفي اللَّزَبات أكرَمُ ما يكونُ

ضافتِ الحارث بن بدر ضيوفٌ فنصب الرَّحى فطحن لهم، وكان قد خطب ابنة عمّ له وقرُبَ الأمر بينهم وكانت من أجمل نساء العرب، فقال لها جوارٍ كنَّ معها في حجلتها: انظري إلى هذا الطحّان، وهنَّ يضحكن، ولم تكن تعرفه، فاطَّلعت فنظرت إليه فقالت لأمّها وقد رابها ضحكهنّ: من هذا الَّذي يطحن؟ قالت: زوجك وهو سيد قومه وفارسهم فصكّت صدرها بيدها وقالت: وهل يطحن السَّيّد؟ فأغارت في الوقت على الحيِّ خيلٌ فترك الطحن وركب فرسه وحمل عليهم حتَّى كشفهم وهي تنظر إليه ثمَّ رجع إلى الرَّحى، وقد اتَّصل به قولها فقال:

تقولُ وصكّتْ وجهها بيمينها ... أزوجيَ هذا بالرَّحى المتقاعِسُ

فقلتُ لها لا تَعجبي وتبيَّني ... بلائي إذا التفَّتْ عليَّ الفوارسُ

ألستُ أردُّ القِرنَ يركبُ رَدْعَه ... وفيه سِنانٌ ذو غِرارين يابِسُ

وأحتملُ الأوقَ الغطيمَ وأمتَري ... خُلوفَ المنايا حين تُخشى الدّهارسُ

لعمرُ أبيكِ الخيرِ إنّي لخادمٌ ... ضيوفي وإنّي إنْ ركبتُ لفارسُ

محلِّم بن بشامة:

ورُبَّ ابنِ عمّ سَنَّ لي حدَّ سهمهِ ... ونكّبْتُ عمداً عن مقاتله سهمي

رعيتُ الَّذي لم يرْعَ بيني وبينه ... وعادَ على ما دُلَّ من حمله حِلْمي

إسماعيل بن يسَّار:

أصرَمْتَ رامةَ أم تجدَّدَ حبلُها ... أم قد ملِلْتَ على التَّنائي وصلَها

أم كيف ترجو نائلاً من خُلَّةٍ ... تدنو مودَّتها وتمنعُ بذلَها

فأظلّ بين رِضًى وسُخطٍ واقفاً ... أرجو مواعدَها وأكره بُخلَها

فاقصدْ لغاية ما تُريدُ فإنّما ... تحذو الحذاءَ لكلّ رِجْلٍ نعلَها

وإذا أصبْتَ من النّوافل رغبةً ... فامنَحْ عشيرتك الأداني فضلَها

مجاشع بن مقّاس الحميريّ يهجو المعلَّى بن شقيق الطَّائيّ:

فلم أرَ في الأحياء حيّاً كطيّئٍ ... وما جمعتْ من مُقرفٍ وعتيقِ

فحاتمُها في الجود حاتمُ طيّئٍ ... وحاتمُها في لؤمها ابنُ شقيقِ

تُماضر ابنة مكتوم العبديّة ودخلتِ الحضرَ فاعتلَّت فعادها جاراتها ومعهنّ هدايا لها فقالت:

تحاشد جيراني فجئن عوائداً ... قِصارَ الخُطى نُجلَ العيون حواليا

وجئن برُمّانٍ وتينٍ يعُدْنَني ... وبقلِ بساتينٍ ليَشفينَ دائيا

مرّار بن بُديل العبشميّ:

أبا قَطريٍّ لا تُسارعْ فإنّني ... أرى قِرنَك الأعلى وإيّاك أسْفلا

أراك إذا صارعْتَ قِرناً سبقْتَه ... إلى الأرض واسْتَسلمتَ للموت أوّلا

عُروة بن لقيط الأزديّ:

فخيرُ الإيادي ما شُفِعن بمثلها ... وخيرُ البوادي ما أتين عوائدا

ولستَ ترى مالاً على الدَّهر خالداً ... وحمدُ الفتَى يبقى على الدَّهر خالدا

عاصم بن هلال النّمريّ:

ألم تعلمي أنّي لكلّ مُلِمّةً ... تحيَّفُ أموالَ الكِرام رؤومُ

وأنّ النَّدى مولى طريفي وتالدي ... وأنّي قريبٌ للعُفاةِ حميمُ

أصونُ ببذل المال عِرضاً تكشَّفَتْ ... صُروفُ اللَّيالي عنه وهو سليمُ

ماجد بن مُخارق الغَنَويُّ وغزا في البحر:

فلمّا استقلَّتْ شُرْعُهم وتحرَّشتْ ... بها الرّيحُ أبدَيتُ الَّذي كنتُ أكتمُ

سأبْكيك بالعين الَّتي قادَتِ الهوَى ... إلى القلب حتَّى يعقِبَ الدَّمعةَ الدَّمُ

وله أيضاً:

إذا ما وترنا عن ترابنا ... ولم نكُ أوغالاً نقيم البَواكيا

ولكنّنا نَعلو الجيادَ شوازباً ... فنَرمي بها نحو التِّراتِ المراميا

جرير:

تغطِّي نُميرٌ بالعمائم لُؤمَها ... وكيف يُغطِّي اللُّؤمَ طيُّ العمائم

فإنْ تضربونا بالسِّياط فإنَّنا ... ضربْناكم بالمُرهفات الصَّوارم

وإنْ تحلِقوا منّا الرُّؤوسَ فإنَّنا ... حلَقْنا رؤوساً باللِّحى والغلاصم

وإن تمنعوا منّا السِّلاحَ فعندنا ... سلاحٌ لنا لا يُشترى بالدَّراهم

جلاميدُ أملاءُ الأكفّ كأنها ... رؤوسُ رجالٍ حُلِّقت بالمواسم

وله:

وضيفكم جائعٌ إنْ لم يبث غَزِلاً ... وجارُكم يا بني هِزّانَ مسروقُ

رأيتُ هزّانَ في أحْراح نسوتها ... رَحْبٌ وهِزّانُ في أخلاقها ضيقُ

حُرقوص التَّغلبيّ:

ألا لا أريدُ البيضَ حتَّى يُردْنني ... ويتَّضِعَ المهرُ الَّذي كان غاليا

وحتَّى تقولَ الخودُ سرّاً لأهلها ... ألا ليته قد جاء إن كان خاليا

لمّا وليَ خالد بن عبد الله القسريّ العراق زوج ألف أيِّم من بجيلة بألف رجلٍ منهم، وساق المهور من عنده، فقال ابن نوفل في ذلك:

وغدتْ بجيلةُ نحو خالدَ تبتغي ... مهرَ الأيامى قد كسدْنَ دُهورا

ولقد منَنْتَ على نساء بجيلةٍ ... وقسمْتَ بين فِقاحهنّ أُيورا

وقريبٌ من هذا المعنى قولُ بعضهم في أبي ليلَى القاضي وكان لمّا تقلَّد البصرة عهِدَ الأعمال لأصهاره:

بناتُ أبي ليلَى عهودٌ مُعَدَّةٌ ... متى شئتَ فانْكِحْ بعضهنّ وخُذْ عهدا

وكُنْ عالماً علمَ الحقيقة أنّه ... يزيدُك طسوجاً إذا زدتَها فَرْدا

مصعب بن العرم العُكْليّ:

أعاذلتيَّ ليس إلى انتهائي ... وليس إلى انتهائكما سبيلُ

أرى ما تزعُمانِ الغيَّ رُشْداً ... فشبْرٌ من تنائينا طويلُ

أبَتْ لي ذاك مأثُرَةٌ بناها ... إلهٌ فضلُ نائلهِ جزيلُ

وأنَّ أبي جوادٌ من معدٍّ ... فعارٌ أن يكون له بخيلُ

ذو الرُّمَّة:

دنوتُ وأدناهنَّ لي أن رأينَني ... أخذتُ العصا وابْيضَّ لونُ مسابحي

وقد كنتُ ممَّا أعرفُ الوحْيَ ماله ... رسولٌ سوى طرفِ العيون اللَّوامحِ

لئنْ سكنتْ لي الوحشُ يوماً لطالما ... ذعَرْتُ قلوبَ الآنساتِ الملائحِ

ابن حَبناء التَّميميّ:

إذا ما رفيقي لم يكن خلفَ ناقتي ... له مركبٌ فضلٌ فلا حملتْ رَحْلي

ولم يكُ من زادي له نصفُ مِزْوَدي ... فلا كنتُ ذا زادٍ ولا كنتُ ذا رَحْلِ

شريكَين فيما نحن فيه وقد أرى ... عليَّ له فضلاً بما نال من فضلي

جِران العَوْد:

إنَّ رِواقَ اللَّيل يجثمُ تحته ... رجالٌ ويمضي الأحوَذيُّ المثقَّفُ

وإنّا ذَمَمنا كلَّ نجدةِ سيِّدٍ ... بطينٍ ولا يُرضيك إلاَّ المخفَّفُ

مثله للحادرة:

ومُنشقِّ أعطاف القميص كأنّه ... إذا لاحتِ الظَّلماءُ نارٌ توقَّدُ

فتًى لا ينال الزّادَ إلاَّ مُعذِّراً ... كأعلى سنان الرُّمح بل هو أنجَدُ

قيس بن زهير:

وأمرٍ يسرُّ الحاسدين إذا مضى ... ونرعى به الأحسابَ عند المحافلِ

ضرمتُ ولم أنظُرْ إلى متعلِّلٍ ... ولا عاجزٍ عن عورة الحي غافلِ

ابن الرِّقاع:

عُذْنا بذي العرش أن نحيَى ونفقدَهُ ... وأن نكونَ لراعٍ بعدَه تَبَعا

أُثني عليه ولا تفنى فواضِلُهُ ... وتنتهي مِدْحتي دون الَّذي صَنَعا

أدهم بن أبي الزّعراء الطَّائيّ:

معاشر أيديهم طِوالٌ وإنّما ... يُخاف من الأيدي ويُرجَى طِوالُها

هم المنعِمون المُفضلون لقومهم ... إذا ما دماءُ النَّاس هيبَ احْتمالُها

فما قصُرتْ من طيِّئٍ كفُّ حاملٍ ... وذي دِيَةٍ إلاَّ عليهم كمالُها

بأيديهمُ بيضٌ تُضيء وجوهَهم ... خِفافٌ إذا هُزّتْ ثقيلٌ وبالُها

الحارث بن وابصة الكِنانيّ:

لقد كدت لولا أنّني أملك الأسى ... وتعترض الأحزان لي ثمَّ أصبرُ

أحِنُّ حنينَ الواله الطَّرِب الَّذي ... ثنى شجوَهُ بعد الحنين التَّذكّرُ

يزيد بن الطَّثْريّة:

ولا بأسَ بالهجر الَّذي ليس عن قِلًى ... إذا شجرتْ عند الحبيب شواجرُهْ

ولكنَّ مثلَ الموت هِجرانُ ذي الهوَى ... حِزارَ الأعادي والحبيب مُجاوِرُهْ

هذا مثل قول الآخر:

لعمرك ما الهجرانُ أن تبعُدَ النَّوى ... بإلْفَين دهراً ثمَّ يلتقيانِ

ولكنّما الهجرانُ أن تُجمعَ النَّوى ... ويُمنعَ منّي من أرى ويراني

رافع بن هُريم اليربوعيّ:

ألستم أقلَّ النَّاس تحتَ لوائهم ... وأكثرَهم عند الذَّبيحة والقِدْرِ

وأمْشاهُ بالشَّيء المحقَّر بينكم ... وأعجزهم عند الجسيم من الأمْرِ

وأنتم على أنَّ المنيَّةَ تتَّقي ... نفوسكم فَقْعٌ بقَرقَرَةٍ قَفْرِ

وما أمُّكم يوم الخوافق بالقنا ... بثَكْلى ولا زهراءَ من نسوةٍ زُهْرِ

عمرو بن سليم البجَليّ يهجو إسماعيل بن عبد الله القسريّ:

قولاً لإسماعيلَ أصلحْ ما بنَى ... أسدٌ وزينٌ ذو المكارم خالِدُ

بيدك تهدِمُ ما بَنَتْ كفُّ الَّذي ... رفعَ البناءَ لكم وشادَ الشَّائدُ

لو كنتَ ماءً كنتَ ملحاً آجِناً ... أو كنتَ مرْعًى لم يَرُدْك الرَّائدُ

أو كنتَ من شجرٍ لكنتَ ألاءةً ... أو كنتَ من ورقٍ نفاك النّاقدُ

مساور بن مالك القَينيّ:

أبوك أبوك أربدُ غير شكٍّ ... أحلّك بالمَخازي حيثُ حلاّ

فلا أنفيك كي تزدادَ لوماً ... لألأمَ من أبيك ولا أذلاّ

مثله لعمير المنقريّ يهجو ابن تواب:

ولستُ بداعيكم لغير أبيكمُ ... كفى بك لؤماً أن يُقالَ توابُ

وأخذ هذا المعنى حمّاد عَجْرَد فقال يهجو بشّار بن بُرد:

نُسبت إلى بُرْدٍ وأنتَ لغيره ... فهبْك ابنَ برد نكتَ أمَّك من بُرْدُ

إلاَّ أنَّ في بيت حمّاد هذا زيادةً في المعنى على ما تقدّم، ومثله لدِعبِل يهجو مالك بن طَوْق:

صدِّقْهُ إن قال وهو مُحتفل ... إنِّيَ من تغلبٍ فما كذَبا

من ذا يُناديه في مُناسبةِ ... في إسْتِ كلب يُرضَى بذا نَسَبا

ابن برّاقة الهمْدانيّ:

تعرّض لي عمرو وعمرٌو خزاية ... تعرُّضَ ضَبعِ القفر للأسد الوَرْدِ

وما هو لي نِدٌّ فأشتمَ عِرضَه ... ولا هو لي عبدٌ فأبطُشَ بالعَبْدِ

أُفنون التّغلبيّ:

نحمي حماهم ونرمي من ورائِهم ... ويولِجون حِمانا من يُرامينا

كأنَّ أسلافَهم ليسو لنا سلَفاً ... ولا هم حسنُ ما تبنيه أيدينا

السُّلَيك بن السَّلَكة:

هَزِئتْ أمامةُ أن رأتْ بي رقّةً ... وفماً به فَقَمٌ وجلدٌ أسودُ

أُعطي إذا النَّفسُ الشَّعاعُ تطلَّعتْ ... مالي وأطعنُ والفرائصُ تُرعدُ

سأل معاوية بن أبي سفيان أبا الأسود الدُّؤليّ وقد كبر فقال: ما للنّساء عندك، يا أبا الأسود؟ فقال النَّظم أحبُّ إليك أم النَّثرُ؟ فقال: النَّظم، فقال:

تجنَّبْنَني من بعد شُحٍّ وغيرةٍ ... عليَّ فما لي عندهنّ نصيبُ

إذا أنا لم أُمنَعْ فأضعفُ طالبٍ ... وإن لم أُطَعْ عدّتْ لهنَّ ذنوبُ

فلا أنا للعِرفان بالهجر أنْثَني ... ولا النَّفسُ عمّا لا تنالُ تُطيبُ

جِروة بن خالد العبدي:

وعَوْدٍ قليل الجُرْم أوجعتُ متنَه ... إذا ما اعتراني من تباريحها ذِكْرُ

وقلت له مَيّالةُ اليومَ سبَّبتْ ... لك الضَّربَ فاصْبر إنَّ عادتك الصَّبْرُ

أميَّالَ حالَ النَّأيُ بيني وبينكم ... وجمع بني سعدٍ فموعِدُنا الحَشْرُ

معبد بن علقمة العَبْشميّ وظلم بعض بني عمّه مولًى له:

فإنْ أكُ لا أُرمَى وتُرمَى كِنانتي ... تُصِبْ جانحاتُ النَّبْل كشحي ومنكبي

فقل لبني حزمٍ فقد وأبيهم ... مُنوا بهَريت الشِّدقِ أحوسَ أغلب

قليل انثناء الرّأي عند اعْتزامِه ... على الهول رَكّاب قَرا المتَهيَّبِ

أنيبوا بني حزم وأهواؤنا معاً ... وأرحامنا موصولة لم تقَضَّبِ

ولا تبعثوها بعد شدّ عِقالها ... ذميمةَ ذكر الغِبِّ للمتغبِّبِ

سآخذ منكم آلَ حزم لعائذٍ ... وإن كان مولًى لي وكنتم بني أبي

إذا أنا لم أغضبْ لأقصايَ لم أنَلْ ... أدانيَّ إن سيموا الغضاضة مغضَبي

أبو الكرم المازنيّ:

... حزب ... مُقدّم مُتعرِّض ... للموتِ غير مُعرِّدٍ حيّادِ

وردَ اللِّقاءَ ونفسُه بفؤادِها ... إذ كلُّ نفسٍ غيرُ ذاتِ فؤادِ

عطَّاف كرَّاتٍ إذا عطفَ الورى ... إبْراقُ عارضهِ على الإرْعادِ

كاللَّيث لا يثنيه عن إقدامه ... خوفُ الرَّدى وقعاقِعُ الإيعادِ

عُبيدة بن هلال الخارجيّ:

هل الفضلُ إلاَّ أنَّ مالي أعزُّه ... لدَيْنٍ إذا ما الحقُّ آبَ ذليلُ

وأنّي إذا ما الموتُ كان بمُرْتأًى ... من العين مِقدامٌ عليه صَؤولُ

وأنّي إذا ما الحربُ أسلَمها ابنُها ... لدِرَّتها عند اللِّقاء وَصولُ

أجود بنفسي عند ذاك وبعضُهم ... بأرذلَ من نفسي هناك بخيلُ

موسى بن جابر الحنفيّ:

لا كلُّ مُطَّرِفٍ هوايَ ولا ... من طولِ صُحبةِ صاحبٍ أقْلي

وإذا الرّجال مشت بهم أنعالُهم ... لخزايةٍ لم تَمشِ بي نعلي

مَدّوا الحِبالَ فكان أطولَها ... طولاً وأمتنَها قُوًى حَبْلي

حجَّار بن أبْجر العِجْليّ:

غَدوتُ على النَّشناش بالسَّيف غُدْوَةً ... وحولي رجالٌ من صديقٍ وحُسَّدِ

فقال ليَ النَّشناش إنّك مُعتدٍ ... ومن يكُ ذا رهْطٍ كرهطيَ يعتدِ

وإنِّي لخرَّاجٌ من الأمر بعدما ... يقولون قد أودَى وطلاّعُ أنجُدِ

طَلوبٌ بأوتارٍ بهنّ مطلَّبٌ ... سبوقٌ صدوقٌ موعدي وتوعُّدي

إذا جنتِ الأيّامُ أحداثَ نكْبةٍ ... فأمْنيَ سيفي ما استقلَّتْ به يدي

تقولُ ابنةُ العِجْليّ إذ جئتُ شاحباً ... من السِّجْن في سِرباليَ المتقدِّدِ

أقُيِّدتَ في سجن المدينة بعدَنا ... ومن يَعْدُ في الإسلام ظلماً يُقَيّدِ

أما قوله " وإنّي لخرّاج من الأمر " البيت، فقد أخذه ابن المعتز فقال:

حتَّى إذا قالوا خضيبٌ بدمٍ ... خرجتُ منه بحُسام مُختضِبْ

ولابن المعتزّ في هذا زيادة حسنةٌ على من أخذه منه.

الأزرق بن طرفة الباهليّ يحذِّر امرأته بإخراجها:

خُذي حذَراً منِّي ولا تحسَبِنَّني ... مرارةَ أفراسٍ ببطن مَسيلِ

وهوجاءَ قد قوَّمتُ بعضَ دُروئها ... إذا لم توافقْ رحلتي ونُزولي

قرنْتُ بها أخرى فأغضتْ بعينها ... على سهرٍ بعد الرُّقاد طويلِ

هذا قريب من قول أبي الأسود الدُّؤلي:

خُذي العفوَ منِّي تَستديمي مودَّتي ... ولا تَنطقي في سَورتي حين أغضبُ

ولا تنقُريني نقركِ الدُّفَّ دائماً ... فإنَّكِ لا تدرينَ كيفَ المعتَّب

فإنِّي رأيتُ الحبَّ في القلبِ والأذَى ... إذا اجتَمَعا لم يلبثِ الحبُّ يذهبُ

حسارة بن وائل النهديّ:

أقدامُنا عن جارنا أجنبيَّةٌ ... حياءً وللمُهدَى إليه طريقُ

لجارتِنا الشِّقُّ الوَحيشُ ولا يُرى ... لجارتنا منَّا أخٌ وشقيقُ

خلائقُ فينا من أبينا وجَدّنا ... وما النَّاسُ إلاَّ أفرعٌ وعروقُ

مازن بن جوشن العامريّ:

وليلة وصَلَتْني في حَنادِسِها ... زهراءُ مثلُ مَهاة الرَّملِ عُطبولُ

بِتْنا نَجِيَّ هوًى فيما نلذُّ به ... شكوى نبوحُ بها طوراً وتعليلُ

ثمَّ ادَّرعتُ بَقاياها يُشيِّعني ... قلبٌ وقورٌ وذو غربَيْن مَصقولُ

وله أيضاً:

ومولَى السَّوء عندك لا شمالٌ ... إذا ذكرَ الرِّجالُ ولا يمينُ

حسودٌ كاشحٌ لا خيرَ فيه ... ولا يُرجَى كما يُرجَى الجنينُ

وبعضُ القوم حين ينوبُ خطْبٌ ... كَهامٌ يَستعينُ ولا يُعينُ

عُمارة بن عقيل:

تجرّمْتَ لي في غير جرمٍ علمتُهُ ... سوَى أنْ يكونَ الدَّهرُ بي قد تغيَّرا

فأقبلَ الأعداءُ من كلِّ جانبٍ ... عليَّ وولَّى بالصَّديق فأغْبَرا

وقد كنتَ لي عوناً على الدَّهر ناصراً ... عزيزاً وغَيثاً كلَّما شُبَّ أمطَرا

وما كنتُ غدَّاراً كَفوراً فلا تكنْ ... بصاحبك الوافي أعقَّ وأغْدَرا

فما أنتَ إلاَّ من زمانِك إنَّه ... زمانٌ جَفَتْ خُلاَّنُه وتنكَّرا

على البيت الأخير من هذه الأبيات عوَّل ابن المعتز في قوله:

صبراً على الهُموم والأحزانِ ... وفُرقةِ الأصحاب والخُلاَّنِ

فإنَّ هذا خُلُق الزَّمانِ

أبو وَجزة السَّعديّ:

وآلُ الزُّبَير بنو حُرَّةٍ ... مرَوا بالسُّيوف الصُّدورَ الجِنافا

يَموتون والقتلُ من دأبهم ... ويغشَوْن يوم السِّياف السِّيافا

إذا فرَجَ القتلُ من عِيصهم ... أبَى ذلك العيصُ إلاَّ التِفاتا

مثله قول زهير:

وإنْ قُتلوا لم يَحسَبوا القتلَ سُبَّةً ... وكانوا قديماً من مَناياهم القتلُ

مثله للسَّموأل:

ونحن أُناسٌ لا نرَى القتلَ سُبَّةً ... كما قد تراهُ عامرٌ وسَلولُ

مثله لآخر:

إذا قَتَلوا طُلَّتْ دماءٌ قَتيلهم ... وإنْ قُتِلوا لم يقشَعِرُّوا من القتلِ

ذو الرُّمَّة يصف نفسه وأصحاباً له في سفرة سافرها:

ظلِلنا نُقلُّ الأرضَ وهيَ تُقلُّنا ... مَهامهَ نأي عن هوانا قَعودُها

علينا أهابيُّ التُّراب كأنَّنا ... أناسِيُّ موتَى شُقَّ عنها لُحودُها

جعدة بن عبد الله:

ونمنعُ بالبِيض الخِفاف ذِمارَنا ... ولسنا بأنصارٍ لمَن كانَ ظالِما

وننزلُ عند الحقِّ بالحُكمِ والحِجَى ... ولا نُملكُ الأمرَ الغُواةَ الأشائِما

ونُوفِي فما لحوفي إلينا بغَدرةٍ ... إذا الغدرُ في الأقوامِ كان غَنائما

وله أيضاً:

جَنَيتُ وأنتُمُ عَضُدي عليكمْ ... وقد تَجني اليمينُ على الشِّمالِ

وأنتم يا بَني عمرٍو ضَمِنتُم ... على الأيَّامِ أحداثَ اللَّيالي

أشار في البيت الأول إلى قول المتلمّس:

وما كنتُ إلاَّ مثلَ قاطعِ كفِّهِ ... بكفٍّ له أُخرى فأصبحَ أجْذَما

وأخذه آخر فقال:

قد تَطرِف العينَ كفُّ صاحِبها ... ولا يَرى قطعَها من الرَّشَدِ

مالك بن مُخارق العبديّ:

إني من القوم الَّذين تخيَّروا ... من المجدِ والعَلياء ما يُتخيَّرُ

ومَن يسلُبِ القتلَى فإنَّ قتيلَنا ... وإنْ كانَ منشوراً يُجَنُّ ويُقبرُ

وإنَّا لورَّادون في كلِّ حَومةٍ ... إذا جعلتْ صُمُّ القَنا تتكسَّرُ

أما قوله: " ومن يسلب القتلى " البيت، فمعنى جيدٌ وصف قومه بكبر النفوس وأنهم إذا قتلوا أعداءهم لم يستحسنوا سلبهم ولا تركهم غير مقبورين وإن كانوا لهم مُبغضين فإنَّ غرضهم قتلهم دون سلبهم. وقد ذكرت الشعراء هذا المعنى في القديم من الشعر والمحدث، فمن أجود القديم قول عنترة:

يُخبركِ مَن شهدَ الوقيعةَ أنَّني ... أغشَى الوغا وأعفُّ عند المغنمِ

هذا البيت أجود ما نعرف للمتقدمين، وأجود ما نعرف للمحدثين بل المتقدمين والمحدثين قول أبي تمَّام:

إنَّ الأُسودَ أُسودَ الغِيل همَّتُها ... يومَ الكريهة في المسلوب لا السَّلبِ

ومن هذا المعنى قول هِدْم بن عمَّار الكلابيّ:

تلاقينا ونحن بنو عُموم ... وشُبَّتْ بيننا نارُ الذُّحولِ

فلم نذعرْ نساءهمُ بسبيٍ ... ولم نسلبْ سرابيلَ القتيلِ

في هذا البيت الأخير زيادة في المعنى لأنَّه ذكر ترك سبي النِّساء كرماً وفضلاً ومنه قول أدهم بن حازم الضَّبِّي:

بني عامرٍ صرَّمتم الحبلَ بيننا ... وبينكُم بعد المودَّةِ والقربِ

غَدَرْتم ولم نغدرْ وقُمتمْ ولم نقُمْ ... إلى حربنا لمَّا قَعدنا عن الحربِ

وكنَّا وأنتم مثلَ كفٍّ وساعدٍ ... فصرْنا وأنتم مثل شرقٍ إلى غربِ

فما نسلبُ القتلَى كما قد فعلتمُ ... ولا نمنعُ الأسرَى من الأكلِ والشُّربِ

وسلبُ ثِياب الميتِ عارٌ وذلَّةٌ ... ومنعُ الأسيرِ الزَّادَ من أقبح السَّبِّ

بذلك أوصانا أبونا ولم نكنْ ... لنتركَ ما وصَّاه في الخِصْب والجدبِ

ومثله قول منير بن المستهلّ الأسديّ:

أبلغ بني مازنٍ عنَّا وإخوتَهم ... والقولُ ما زالَ بين النَّاس محمولا

السَّالِبي الميتِ ما يُخفيه من خِرَقٍ ... حتَّى العمامة لُؤماً والسَّراويلا

أمثلكم يتغنَّى بالوعيد لنا ... وقد سلَبْناكمُ البيضَ العطابيلا

ومثل هذا قول المجلّى بن راشد الغنويّ:

ألا أبلغْ عقالاً على نأيِهِ ... مَآلِكَ تُهدِي إليه شَنارا

قتلتَ أسيرَك بعدَ الأمانِ ... فجلَّلْتَ قومكَ خِزياً وعارا

وغادرتَهُ جَزَراً للكِلا ... بِ تنهشُ منه فَقاراً فَقارا

وجرَّدتَهُ من سَراويله ... وأحرزْتَ ذلك حتَّى الإزارا

وممَّن زاد في هذا المعنى وجوَّده أبو الأطراف المالكيّ بقوله:

وخَميسٍ لفَّقتُهُ بخميسٍ ... صَخِبِ الحجرَتَين جَمّ الصَّهيلِ

لا تَراني أسعَى إلى سَلَب القِر ... نِ ولا أنتهي برأسِ القتيلِ

ومنه قول قَطريّ بن الفُجاءة:

ورُبَّ مساليطٍ نِشاطٍ إلى الوغَى ... سِراعٍ إلى الدَّاعي كِرام المقادمِ

أخضتُهم بحرَ الحِمام وخُضتُهُ ... رجاءَ الثَّوابِ لا رجاء المغانمِ

فأُبنا وقد حُزنا الثَّواب ولم نُردْ ... سوَى ذاك غُنماً وابتناء المكارمِ

ومنه قول عمرو بن كلثوم:

وكنَّا الأيمَنِينَ إذا التقَينا ... وكانَ الأيسَرينَ بنو أبِينا

فآبُوا بالنِّهاب وبالسَّبايا ... وأُبْنا بالملوك مُصفَّدينا

جميع ما ذكرنا في هذا المعنى قديماً ومحدثاً دون بيت أبي تمَّام.

جُنادة بن مِرداس العقيليّ:

إليك اعْتَسَفْنا بطنَ خبتٍ بأينُقٍ ... نوازعَ لا يَبغينَ غيرَك منزِلا

رَعَين الحِمَى شهرَي ربيعٍ كِلَيهما ... فجِئن كما شيَّدتَ بالشِّيد هَيكلا

فلمَّا رعاها السَّيرُ عادتْ كأنَّها ... أهلةُ صيفٍ ردَّها البُرجُ أُفّلا

تُغادرُ مَرْوَ القاعِ تحت خِفافها ... لطُول الوجَى والوَخْدِ تُرباً مُفتَّلا

علينا لها أنْ لا نُعِشَّ ظِماءها ... كذاك عليها أنْ تَخُبَّ وتُرقلا

أما قوله: " رعين الحمى شهرَي ربيعٍ " البيت والبيت بعده فمثل قول أبي دُلَف:

ولقد طوينَ مهامِهاً ومَهامِها ... ولمَا طوتْ منها المهامهُ أكثرُ

شكتِ الكلالَ وما شَكَونا شجوَنا ... إنَّ الرِّجال من المطيّ لأصبَرُ

معنى البيت الثاني من هذين البيتين غير المعنى الذي نحن في إيراد نظائره، وهو مثل قول الآخر:

سَقياً ورَعياً وإيماناً ومَعرفةً ... للباكياتِ علينا حين نرتحلُ

تَبكي علينا ولا نَبكي على أحدٍ ... لَنحن أغلظُ أكباداً من الإبلِ

ومن نظائر المعنى الذي نحن في ذكره قول أبي حَيَّة النميريّ:

وليلة مرِضتْ من كلِّ ناحيةٍ ... فما يُضيءُ بها نجمٌ ولا قمرُ

قاسيتُها بأمونٍ بين أحبُلِها ... نصفٌ وحسَّرَ عنها نصفَها السَّفرُ

مثله قول الأخَيطل:

تشكو إليَّ النَّوى فقلتُ لها ... دَعي النَّوى فالزَّمانُ أحْرَضَها

إنِّي لممَّنْ نَشا بعَدْوَتها ... ومن تصدَّى لها فأعرَضَها

أطمعتُ جَوزَ الفلا غواربَها ال ... مُلْدَ ومن قبلُ كانَ أمحضَها

تعلمُ عِيسى أنْ سوف يُنحِفُها ... ما كانَ من قبل ذاك عرَّضَها

غدتْ عِشاراً وبُدَّناً فبرَى ... نَصِّيَ مِن بُدْنها وأجْهَضَها

مثله قول ديك الجن:

وكم قرَّبتْ من دار عبلةَ عبلةٌ ... كجَندَلَة السُّور المُقابلِ تُشرِفُهْ

فيرعَى الفلا ما قد رعتْهُ من الفلا ... ويُنحِفُها المَرْتُ القفارُ وتُنحفُهْ

وما نعلم أنَّ أحداً ممَّن تعاطى الكلام نظماً ونثراً يلحق أبا تمام في هذا المعنى وهو قوله:

رعتْهُ الفَيافي بعد ما كانَ حِقبةً ... رعاها وماءُ الرَّوض ينهلُّ ساكِبُهْ

فكم جِزع وادٍ جَبَّ ذِروةَ غاربٍ ... وبالأمس كانت أتْمكتْهُ مَذانِبُهْ

فأبو تمَّام بهذا المعنى أحقّ من كلِّ من ذكرنا لحسن لفظه ولما أورد من الزيادة بدقَّة خاطره وصحة قريحته. وقد أخذه البحتري فأورده في غير معنى ما ذكرنا إلاَّ أنَّه أصاب شاكلةَ الرَّمِيَّة وهو قوله في شيخين من قومه كانا في شبابهما فارسين مشهورين فلما أسنَّا وقعدا عن لقاء الحروب قال لقومه في حرب وقعت بينهم وذكر هذين الشَّيخين:

وأرَى شميلاً للفَناء وبارعاً ... يَتأوَّدان ومن يُعمَّرْ يَكبرِ

شَيخَين قد ثقُلَ السِّلاحُ عليهما ... وعداهما رأيُ السَّميع المُبصرِ

ركِبا القنا من بعد ما حمَلا القَنا ... في عسكرٍ متحاملٍ في عسكرِ

لولا أنَّا قدَّمنا في صدر الكتاب من ذكر هذا المعنى ومَن الَّذي نبَّهنا على شعر أبي تمَّام وأخذ البحتري إيَّاه لذكرناه ههنا.

قال ابن الأعرابيّ: كان مقلّد بن مالك العقيلي يتحدَّث إلى امرأة من قومه فاستعدى أهلُها عليه، فقال له الوالي: لئن لم تنته لأنزعنَّ شيطانك، فقال مقلد:

أرادَ أميرُ الماءِ يوم لقيتُهُ ... لينزعَ شيطاناً من الجنِّ عادِيا

فقلتُ له أمسكْ عليك فإنَّني ... على القسرِ لا أزدادُ إلاَّ تَمادِيا

وأنشد لأُم الظّباء الكلابيَّة وكانت تحت نوال بن عامر السُّلميّ وبلغها أنَّه يريد المضيَّ إلى خيبر في حاجةٍ له، وخيبر مشهورةٌ بالحمَّى:

تعرَّض للحُمَّى نوالٌ وإنَّما ... بقيَّةُ وصلِ الغانيات نوالُ

وإنَّ نوالاً للشّقاء فمن يذُقْ ... حرامَ نوالٍ لم يشُقْهُ حلالُ

فائد بن منير القشيريّ:

هل الوجدُ إلاَّ أنَّ قلبيَ لو دنا ... من الجمرِ قِيدَ الرُّمح لاحترقَ الجمرُ

فإنْ كنتُ مطبوباً فلا زلتُ هكذا ... وإنْ كنتُ مسحوراً فلا برأَ السِّحرُ

ولمَّا قال ابن الدُّمينة في أميمة الخثعميَّة:

خليليَّ زُورا بي أُميمة فاجْلُوَا ... بها بصَري أو غَمرةً من فؤادِيا

فقد طالَ هِجراني أُميمة أبتَغِي ... رِضَى النَّاس لا ألقَى من النَّاس راضِيا

فأجابته أُميمة:

أيا حَسَن العَينَين أنتَ قتلْتَني ... ويا فارسَ الخيلَينِ أنتَ شِفائيا

ورغَّبتَني الظِّمءَ الطَّويلَ بشَرْبة ... على ظمأٍ لم يُشفَ منها فؤاديا

الأخنس بن شَريق التَّغلبيّ:

خليلايَ هوجاءُ النّجاء شِمِلَّةٌ ... وذو شُطَبٍ لا يجتَويه المُصاحبُ

وقد عشتُ دهراً والغُواةُ صَحابتي ... أولئك خُلْصاني الَّذين أُصاحبُ

رفيقاً لمنْ أعْيا وقُلِّدَ حَبلَه ... وحاذرَ جَرَّاه الصَّديقُ المُناسبُ

فأدَّيتُ عنِّي ما استعرتُ من الصِّبا ... وأصبحَ سرحُ باطلِي وهْوَ عازبُ

لكلِّ أُناسٍ من معدٍّ عِمارةٍ ... حُصونٌ إليها يلجَئون وجانبُ

لُكيزٌ لها البَحرانِ والسّيفُ كلُّه ... وإنْ يأتِها بأسٌ من الهند كارِبُ

تَطايَرُ عن أعجاز حُوشٍ كأنَّها ... جَهامٌ هَراقَ ماءهُ فهوَ آئبُ

وبكرٌ لها ظهرُ العراق وإنْ تَشأ ... يَحُلْ دونها من اليمامةِ حاجِبُ

وصارتْ تميمٌ بين قُفٍّ ورملةٍ ... لها في الجبالِ مُنتأًى ومَذاهبُ

وكلبٌ لها خَبتٌ فرملةُ عالجٍ ... إلى الحَرَّة الرَّجلاءِ حيثُ تُحاربُ

وغسَّان حيٌّ عزّهم في سواهم ... يجالد عنهم مِقنب وكتائبُ

وغارتْ إيادٌ في السَّواد ودونها ... طَماطِمُ عُجمٌ تبتَغي مَن تٌضاربُ

ولخمٌ ملوكٌ ذو حصونٍ وعدَّةٍ ... وإنْ قالَ منهم قائلٌ فهوَ واجبُ

ونحنُ أُناسٌ لا حصون بأرضنا ... سوَى مُرهَفاتٍ تَحتويها الكتائبُ

إذا قَصُرَتْ أسيافُنا كانَ وَصلها ... خُطانا إلى أعدائنا فنُضاربُ

فللهِ قومٌ مثلُ قوميَ سُوقةً ... إذا اجتمعتْ عند الملوكِ المعاكبُ

أرَى كلَّ قومٍ قارَبوا قيدَ فَحلهم ... ونحنُ خَلَعنا قيدَه فهْوَ سارِبُ

هذا الشهر نهاية في الفخر وذكر العدد ووصف الشَّرف وفيه أبيات لها نظائر، من ذلك قوله: " فأدَّيت عنِّي ما استعرت " البيت، ومنه أخذ أبو نواس قوله:

ورَدَدْتَ ما كنت اسْتَعر ... تَ من الشَّباب إلى المُعيرِ

وانشد بشَّار فقال:

وهجرتَ الصِّبا وراجعَك الحِ ... لمُ ورُدَّتْ عاريَّةُ المُستَعيرِ

مثله لأبي سعد المخزوميّ:

وشبابُ المرءِ ثوب مُستعارُ

مثله لابن الضحَّاك:

وشبابُ المرءِ عاريَّةٌ ... تُقتضَى يوماً فتُرتَجعُ

وللبيد بن ربيعة العامريّ مثل هذا إلاَّ أنَّه لم يذكر الشَّباب، وهو قوله:

وما المال والإخوانُ إلاَّ وديعةٌ ... ولا بدَّ يوماً أنْ تُردَّ الودائعُ

وأما قوله: " لكلِّ أُناس من معدّ " البيت إلى آخر الأبيات التي عدَّد فيها القبائل فكثير في الشِّعر، فمن ذلك قول الصَّلتان العبديّ:

ومَن بين الحُصونِ ليوم حربٍ ... فليس حصونُنا إلاَّ السُّيوفُ

ومَن كرهَ الحُتوفَ فإنَّ فينا ... مَغاويراً شعارُهم الحتوفُ

ومَن يجفُ الضُّيوفَ فما أرَدْنا ... طعاماً قطُّ ليس له ضيوفُ

مثله قول لقيط بن وداعة الحنفيّ:

إذا ما ابْتنى النَّاسُ الحصونَ فإنَّما ... حصونُ بني لأمٍ مثقَّفةٌ سمرُ

وأرضٌ فَضاء ليس فيها معاقلٌ ... ولا وَزَرٌ إلاَّ الصَّوارمُ والصَّبرُ

مثله قول ابن الزِّبعريّ يهجو الأنصار:

حصونُ بني النَّجَّار شِيدٌ مشيَّدٌ ... بعيد المَراقِي يُتعبُ النَّظرَ الشَّزْرا

وأسيافُنا حصنٌ لنا من عدوّنا ... وأيّ عدوّ يستطيعُ لنا ذِكرا

ومثله للطرمَّاح:

عاذوا بحصنهمُ منَّا وليس لنا ... حِصنٌ سِوى.....

وقاتَلونا على أرجاءِ مُشرفةٍ ... ولو علَى الأرضِ كانوا أظهَروا خَوَرا

لمَّا مدَدْنا رماحَ الخطّ نحوهمُ ... مَدُّوا إلينا بحبْل مُبرمٍ حَجَرا

مثله لبشير بن عبد الرحمن الأنصاريّ:

إذا النَّاسُ عاذوا بالحصون مخافةً ... جعلنا مَعاذاً بالسُّيوف الصَّوارِم

ولولا دفاعُ الله ثمَّ قراعُنا ... بأسيافنا ما جازَ نقشُ الدَّراهمِ

ولا قامَ سلطانٌ لأهل خلافةٍ ... ولا أمَّ أهلُ الحقِّ أهلَ المواسمِ

أبَى ذمَّنا أنَّا مَصاليتُ في الوغَى ... وأنَّ قِرانا عاجلٌ غيرُ نائمِ

مثله قول ابن النّطاح:

ولمَّا نأتْ عنَّا العشيرةُ كلُّها ... نَزلنا فحالَفنا السُّيوفَ على الدَّهرِ

وقد ذكرناه فيما تقدَّم مع نظائر له كثيرة، مثله قول ابن الرّوميّ:

حَلُّوا الفضاءَ ولم يبْنُوا فليس لهم ... إلاَّ القنا وإطارُ الأُفق حِيطانُ

ومثله آخر:

معاقلُنا التي نأوِي إليها ... عِتاق الأعوجيَّة والسُّيوفُ

وأما قوله: " إذا قصرت أسيافنا " فقد روي هذا البيت لقيس بن الخطيم وهذا أقدم من قيس بن الخطيم بدهر طويل، وقد ذكرنا نظائره؛ وأما قوله: " أرى كلّ قوم قاربوا قيد فحلهم " البيت، فمثل قول الأحوص ابن جعفر:

إذا وقعَ الرَّبيعُ بأرض قومٍ ... وإنْ عَجُّوا انتَجَعْناهُ نَريفُ

معاقلُنا الَّتي نأوِي إليها ... عِتاقُ الأعوجيَّة والسُّيوفُ

نُجيرُ ولا نُجارُ وكلُّ حيٍّ ... لهم حافٌ وليس لنا حَليفُ

وهذا مثل قول الآخر:

إذا وقعَ الرَّبيعُ بأرض قومٍ ... رَعَيناهُ وإنْ كانوا غِضابا

ومثله قول الآخر:

ونحن بنو العجل الَّذي سالَ بولُهُ ... بكلِّ بلاد يبول بها فحلُ

أراد ببوله ولدَهُ وهي استعارةٌ فيها بعض القُبْح.

عاصم بن خِروعة النهشليّ يذمُّ امرأته:

إلى الله أشكو أنَّا قد تنكَّرتْ ... وأبدَتْ ليَ البغضاءَ أُمُّ محمَّدِ

تُوقِّدُني منها بقولٍ كأنَّهُ ... على القلبِ سفعُ النَّار أو حزّ مبرَدِ

فقد تركَتْني عندها كمُدَلَّهٍ ... يُحاذرُ وقعاً من لسانٍ ومن يدِ

كأنَّ عذابَ القبر تحتَ خِبائها ... إذا لصِقتْ تحت الخِباء المُمدَّدِ

فيا ربّ فرِّجْ كُربتي قبل مِيتَتي ... بواضحة الخدَّين ريَّا المُقلَّدِ

وإنِّي متى عاتبتُها كانَ عُذرُها ... وإعتابُها إنْ كنتَ غضبانَ فازْدَدِ

هي الغُول والشَّيطانُ لا غولَ غيرُها ... ومَن يصحبِ الشَّيطانَ والغُولَ يكمَدِ

تعوَّذُ منها الجِنُّ حين يرَونها ... ويُطرقُ منها كلُّ أفعَى وأسْودِ

فإنِّي لَشاكيها إلى كلِّ مسلمٍ ... وداعٍ عليها اللهَ في كلِّ مسجدِ

نظائر من برم بامرأته فتمنَّى أو هدَّدها بالطَّلاق أو روَّعها بالضرَّة كثيرٌ متّسعٌ؛ ولو أردنا استغراقه لكان كتاباً منفرداً، ولكنَّا نوردُ منه ما يُختار ونتجنَّب ما كان مشهوراً وإن كان مختاراً، فمن ذلك قول عُمَيس بن كثير البكَّائي:

مُنيتِ بداءٍ أو رُميتِ بضرَّةٍ ... أبيتُ أُناديها نداءَ مَشوقِ

أغصَّصْتِني بالرِّيق من غير فاقةٍ ... أغصَّكِ ربُّ العالَمين بريقِ

ومثله لبلال بن جرير:

أيا ربّ بَغِّضها إليَّ فإنَّني ... إليها قدِ اسْتَيْقنتُ ذاك بَغيضُ

هذا ذكر أنَّه يحبُّها وهي تبغضه فهو يدعو الله أن يبغِّضها إليه ليُقلع حزنه ويرقأ دمعه.

فيبرأَ محزونٌ وتَرقأ دمعةٌ ... لذكرِ سُليمَى لا تَزال تَفيضُ

وقريب منه، وإن لم يكن المعنى نفسه، قول الآخر:

إلى اللهِ أشكو أنَّ قلبي معلَّقٌ ... برَعناءَ حسناءِ القَوام رَداحِ

صَبيحةِ وجهٍ والصِّباحُ مآلِفٌ ... لكلِّ فتًى للغانيات مُباحِ

تسخَّطُ ما يُرضَى وتخرَقُ بالأذَى ... وليس بِناهيها لِحايةُ لاحِ

فلا بدَّ من صبرٍ عليها لحُسنها ... وإنْ زاد منها النُّكرُ كلَّ صباحِ

فهذا ذكر أنَّ امرأته رعناء إلاَّ أنَّه صابرٌ عليها لحسنها، وممَّن صبر على الأذى من امرأته حتَّى عِيل صبره فطلَّق، أوس بن ثعلبة التَّيميّ بقوله:

صبرتُ على ليلَى ثلاثين حجَّةً ... تعذِّبُني ليلَى مِراراً وتصخَبُ

إذا قلتُ هذا يوم ترضَى تنمَّرتْ ... وقالت فقيرٌ سيِّئُ الخُلق أشيَبُ

فقلتُ لها قد يفقُرُ المرءُ حقبةً ... ويصبرُ والأيَّام فيها التَّقلُّبُ

فلمَّا رأيتُ أنَّها ليَ شانئٌ ... تنكَّبتُها والحرُّ يحمَى ويغضَبُ

وطلَّقتُها إنِّي رأيتُ طلاقَها ... أعفّ وفي الأرضِ العَريضة مذهَبُ

ومرضت امرأة بعض الأعراب وكان لها مبغضاً فسمعها تقول: " الموت " فقال:

إذا متِّ فالجَرعاءُ منك قريبةٌ ... ولي في قَصِيّ الغانيات مَعادُ

قال: وكانت امرأة أُنيف بن قترة الكلبيّ سيِّئة الخلق وكانت لا تزال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015