فلا تنفِرِي منَّا فلستُ بتاركٍ ... شبيهةَ ذلفاءَ الحبيبةِ تُقتَلُ

ومثله قول العامريّ:

فعيناكِ عيناها وجِيدك جِيدُها ... ولكنَّ عظمَ السَّاق منكِ دقيقُ

وبيت المجنون أملح معنًى وأصلح لفظاً وأوقع في التَّشبيه من البيت.

وأمَّا قوله: " فلا تنفري " البيت، فمثل قول الآخر:

راحوا يَصيدونَ الظِّباء وإنَّني ... لأرَى تصيُّدَها عليَّ حَراما

أعزِزْ عليَّ بأن أروعَ شبيهَها ... أو أنْ يذُقْنَ على يديَّ حِماما

مالك بن الرَّيب:

يقول المُشفِقون عليَّ حتَّى ... متى تلقَى الجنودَ بغير جُندِ

وما مَن كانَ ذا سيفٍ ورمحٍ ... وطابَ بنفسه مَوتاً بفَرْدِ

مُويال بن جهم المِذحجيّ:

ألمْ تعلَمي عَمَّرتُكِ اللهَ أنَّني ... كريمٌ على حين الكرامُ قليلُ

وأنِّيَ لا أخْزَى إذا قيل مُملقٌ ... جوادٌ وأخزَى أنْ يقالَ بخيلُ

فإلاَّ يكنْ جسمي طويلاً فإنَّني ... له بالخِصالِ الصَّالحات وَصولُ

إذا كنتُ في القومِ الطّوال غَمَرْتُهم ... بعارفةٍ حتَّى يقالَ طويلُ

ولا خيرَ في حُسن الجسُوم وطُولها ... إذا لم تزنْ حُسنَ الجسُوم عقولُ

مضمر بن خالد البكّائيّ:

لا تَعِديني الفَقْرَ يا أُمَّ مالكٍ ... فإنَّ الغِنَى للمُقتِرِين قريبُ

وللحقّ من مالِ امرئ الصِّدق نَوبةٌ ... وللدَّهر من مال اللَّئيمِ نَصيبُ

وللمالِ إشراكٌ وإنْ ضنَّ ربُّه ... يُصيبُ الفتَى من ماله ونُصيبُ

وما السَّائلُ المحرومُ يَرجعُ خائباً ... ولكنْ بَخيلُ الأغنياء يَخيبُ

هذا مثل قول أبي تمَّام:

فإنِّي ما حُورِفتُ في طلبِ الغِنَى ... ولكنَّكم حُورِفتمُ في المكارمِ

ومثله له أيضاً:

لمَّا عدِمتُ نوالَهُ أعدَمْتُهُ ... شُكري فرُحنا مُعدمَين جميعا

القتَّال الكلابيّ وكان لصّاً فجنى جنايةً أُخذ بها، فلمَّا أرادوا أن يدخلوه سجن المدينة قال:

أقولُ وقد واجهتُ سجنَ ابن مُصعبٍ ... وقد شُدَّ منِّي في الكعوبِ قُيودُ

أيا جُمل أمَّا ما تكنْ من مصيبةٍ ... فتبلَى وأمَّا حبُّكم فجديدُ

ولمَّا دخل السِّجن وقيِّد قال:

وقَيدانِ قيدٌ من هواكِ مبرِّحٌ ... وقَيدٌ لسلطانٍ عليَّ مُؤكَّدُ

وقد علِموا أن لم أُقيَّدْ لرِيبةٍ ... وأنِّي جوادٌ سابقٌ لا يُقيَّدُ

أبو النَّجم العِجليّ:

لقد خبَّرتْ عيناكَ يوماً بحُبّها ... ببطحاء ذي قارٍ وقد كتَمَ الصَّدرُ

ويوماً بدَير المصقليَّة أشرفَتْ ... لها النَّفسُ حتَّى ردَّها اللهُ والصَّبرُ

الصِّمَّة القشيريّ:

خليليَّ هل يُستخبرُ الأثْلُ والغضا ... ونَبْتُ الرُّبَى من بطن ودّان والسِّدْرُ

وهل يتَّقي لا بعدَ ما قد تَصافَيا ... خليلان بانا ليسَ بينَهما وِتْرُ

نأَتْ بهما دارُ الهوَى وتراقَيا ... ذُرَى الضِّغْن حتَّى لجَّ بينَهما الهجرُ

إذا بِنْتِ إلاَّ ما عدا النَّأيُ بينَنا ... وبينكِ لم يلزمْكِ ما فعلَ الدَّهرُ

من يُجرح فيه فكيف يكون إذا أصاب غيره غيره، ولقد تحيّر في معنى هذا البيت جماعةٌ من النّحويّين بالموصل ولم يقفوا عليه فكانوا يقولون: إذا قلنا: " شوًى ما أصاب " انتصب البيت وفسد المعنى، حتَّى عرَّفناهم الوجه فيه، وقريبٌ منه قول البحتريّ في صفة السّيف:

فإذا أصابَ فكلُّ شيءٍ مقتَلٌ ... وإذا أُصيبَ فما له من مقتَلِ

وأمَّا قوله: " فلا طول إلاَّ لامرئٍ " البيت، فمثل قول أبي تمَّام:

إذا أحسنَ الأقوامُ أنْ يَتَطاولوا ... بلا مِنَّةٍ أحسنْتَ أن تتطوَّلا

كثيِّر:

وكنتُ امرأً بالغَور منِّي لُبانةٌ ... وبالجَلْس أُخرى ما تُعيدُ وما تُبْدي

فعينٌ تكرُّ الطَّرفَ نحوَ تِهامةٍ ... وعينٌ تكرُّ الطَّرفَ شوقاً إلى نجدِ

فأبْكي على هندٍ إذا هيَ فارقَتْ ... وأبْكي على دَعْدٍ إذا بِنتُ عن دَعْدِ

فلا تَلْحَياني إنْ جَزِعتُ فما أرَى ... على زَفَرات الحبّ من أحدٍ جَلْدِ

شريك بن مغلول الجعديّ:

ولو كنتُ بعد الشَّيب طالبَ صَبوةٍ ... لأصْبى فؤادي نِسوةٌ بخلاخلِ

عفيفاتُ أسرارٍ بعيداتُ ريبةٍ ... كثيراتُ إخلافٍ قليلاتُ نائلِ

تعلَّمْنَ والإسلامُ منهنّ والتُّقى ... شواكِلَ من علم الذين ببابلِ

مِراضُ العيون في احورارِ محاجرٍ ... طِوالُ المتون ليِّناتُ الأناملِ

هضيماتُ ما بين التَّرائب والطُلى ... لِطافُ المتون صامتاتُ الخلاخلِ

عواطِلُ إلاَّ من جمالٍ وزينة ... تزِفُّ بأعناق الظِّباء العواطلِ

كأنَّ ذُرى الأنقاء من رمل عالجٍ ... حَنتْ والتقَتْ منهنَّ تحت الغلائلِ

كعب بن زهير ورويت لغيره:

صَموتٌ وقوّالٌ فللحكم صَمْتهُ ... وبالعلم يجلو الشّكَّ مَنْطِقه الفَصْلُ

فتًى لم يدعْ رُشداً ولم يأتِ مُنكراً ... ولم يدْرِ من فضلِ السّماحة ما البخلُ

به أنجبَتْ للبَدْر شمسٌ مُضيئةٌ ... مباركةٌ ينمي بها الفرعُ والأصْلُ

إذا كان نجلُ الفحل بين نجيبةٍ ... وبين هِجانٍ مُنجبٍ كرُمَ النَّجْلُ

عبد الله بن عبد الأعلى الحارثيّ:

ولقد عجبتُ لذي الشّماتة إذ رأى ... جَزعي ومن يذُقِ الفجيعة يجزَعِ

فاشْمتْ فقد قرعَ الحوادثُ مَرْوَتي ... واجْذَلْ بمروتك الَّتي لم تُقرَعِ

إنْ تبقَ تُفجَعْ بالأحبّة كلِّهم ... أو تُرْدِك الأحداثُ إنْ لم تُفجعِ

أبو قُحافة الأزديّ:

لحا الله وصلاً إنْ تغيَّبتَ ساعةً ... فأنتَ وأقصى النّاسِ فيه سواءُ

وخِلاًّ إذا لم تأتهِ بهديّةٍ ... بدَتْ لك منه غفلةٌ وجفاءُ

غِربال بن مجمّع الحنفي:

ألا ربَّ ضيفٍ طارقٍ قد قرَينهُ ... وآنَستُه قبلَ الضِّيافة بالبِشْرِ

وجدتُ له فضلاً عليَّ بقصدهِ ... إليَّ يراني موضِعَ الحمد والأجْرِ

فزَوَّدتهُ مالاً يقِلُّ بقاؤهُ ... وزوَّدني شُكْراً يدوم على الدَّهرِ

وقد ربحتْ عندي تجارةُ ماجدٍ ... يجودُ فيعتاضُ الثَّناءَ من الوفْرِ

مثله قول الآخر:

كم من يدٍ لا أُؤدِّي شكرَ نعمتها ... عندي لمختبطٍ طارٍ ومن منَنِ

إذ جاءَ يسعى إلى رَحْلي لأُسْعِفهُ ... أليس قد ظنَّ بي خيراً ولم يَرَني

مسكين الدَّارميّ:

إذا متُّ فانْعَيني لأضياف شُقّةٍ ... رمى بهمُ داجٍ بهيمُ الغياطلِ

يُشبُّ لهم ناري فيُعرَفُ ضوءها ... ويُحتلُّ بيتي بالفضاء المقابلِ

ولستُ بوقّافٍ إذا الخيلُ أسرعتْ ... ولستُ بعبّاسٍ إلى الضَّيف باسلِ

ولكنّه يلقاه منّي تحيَّةً ... ويأتيه قبل العُذر بذلي ونائلي

ويلقاهمُ وجهي طليقاً وعاجلاً ... قِرايَ ومن خير القِرى كلُّ عاجلِ

مطر بن غدير العامريّ:

بني عامرٍ مالي أرى الخيلَ أصبحت ... بِطاناً وبعضُ الضُّمْر للخيل أفضَلُ

متى تكرموها يُكرم النَّفسُ نفسَهُ ... وكلُّ امرئٍ من قومه حيث ينزلُ

بني عامرٍ إنَّ الخُيولَ وقايةٌ ... لأنفسكم والموتُ وقتٌ مُؤجَّلُ

أهينوا لها ما تُكرمون وباشروا ... صيانتها والصَّونُ للخيل أجملُ

مزاحم بن الحارث القريعيّ:

أربَّتْ عليها كلُّ وَطْفاء حرّةٍ ... لها غاربٌ جُنْحَ الظَّلام بَهيمُ

إذا أرْزَمتْ بالرَّعد أرزمَ خلفها ... وقُدّامها جونُ الغواربِ كومُ

إذا ما هبَطْن الأرضَ قد مات عودُها ... بكَين بها حتَّى يعيش هشيمُ

سحائبُ لا من صيّفٍ ذي صواعقٍ ... ولا مُلقحاتٍ ماؤهنّ حميمُ

علَتْني غواشي عَبْرةٍ ما أرُدُّها ... لها من شؤون المأقِيَيْنِ سُجومُ

وما ذاك إلاَّ من جميعٍ تفرَّقت ... بهم نيَّةٌ عند الجوار قسيمُ

وذلك تالٍ للنَّوى غيرُ مُخلفٍ ... إذا كان لي جارٌ عليَّ كريمُ

الزِعْل بن المَشرفيّ القُرَيعيّ وهاجى رجلاً فغلبه واعتلى عليه فقال:

لعمري لقد مارسْتُ نفساً ضعيفةً ... قليلاً لأيّام المَنونِ احْتمالُها

تَهاعُ وتستَعْوي إذا الضُرّ مسَّها ... وتقسو قُسوّاً حين ينعَمُ بالُها

مَعْن بن أوس المُزَنيّ:

إذا تقاعسَ صعبٌ في حزامته ... وإنْ تعرّض في خيشومه صيَدُ

رُضْناهُ حتَّى يُذِلَّ القَسرُ هامتَهُ ... كما استمرَّ بكفّ الفاتل المسَدُ

فلا تكونوا كمن تغذو بدرّتها ... أولادَ أخرى ولا يُغذى لها ولَدُ

إنْ تُصلِحوا أمرَكم تصلُحْ جماعتُكم ... وفي الجماعة ما يستمسك العمَدُ

أما قوله " فلا تكونوا كمن تغذو بدرّتها " فمثل قول ابن هَرْمة:

تعلَّقْتها وإناءُ الشَّبا ... ب يطفَحُ من جانبَيهِ طِفاحا

ولا ميعةٌ حَجرتْ حُبَّها ... ولا الشَّيبُ أنْساكها حين لاحا

وكم من مُحبٍّ أجنَّ الهوَى ... فودَّ من الغَمّ لو كان باحا

وآخر غُمَّ بأسرارهِ ... فباح بمكتومه واسْتراحا

وإنّي وتركي ندى الأكْرَمين ... وقَدْحي بكفَّيَّ زَنْداً شَحاحا

كتاركةٍ بيضَها بالعراءِ ... ومُلبسةٍ بيضَ أخرى جَناحا

مثله قول الكميت:

كمُرضعةٍ أولادَ أخرى وغادرتْ ... بنيها إلى أن عالَ أوسٌ عيالَها

هذا من خرافات الأعراب ومحالاتهم وذلك أنّهم يزعمون أنّ الضّبع إذا وضعت تركتْ جِراءها وهم صغار فيجيء الذئب إليهنّ فلا يزال يعولهنّ ويُغذّيهنّ حتَّى يكبرن ويقدرن على التماس ما يأكلن ثمَّ يدعهنّ وهذا عندنا من أعظم المحال لأنّ الذّئب لو تمكّن من الضّبع أكله فكيف يعول ولده؟ أمّ محكم الضَّبِّيّة:

كفى للفتى من عيشة السَّوْءِ أن يرى ... حبيباً ومن دون الحبيب رقيبُ

وإنّي ليدعوني الهوَى نحو غيره ... فآبى ويدعو نحوَهُ فأُجيبُ

إلى البيت الأول نظر أبو تمَّام بقوله:

وحسبُك حسرةً لك من حبيبٍ ... رأيتَ زِمامه بيدَيْ عدُوِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015