مثل قول جرير:

أحنُّ إلى نجدٍ وبالغور حاجةٌ ... فغارَ الهوَى يا عبدُ قيسٍ وأنْجَدا

جميل:

ألا إنّني راضٍ بما فعلتْ جُمْلُ ... وإن كان لي فيه الصَّبابةُ والخَبْلُ

رضيتُ به منها فأجْوَرُ فِعْلِها ... لدى النَّاس عندي من رضاءٍ به عَدْلُ

وكُرّوا عليَّ العذلَ فيها فإنّني ... رأيتُ الهوَى فيها يُجدِّدهُ العذْلُ

وما كان حُبّيها لبذلٍ رَجوتهُ ... لديها فأخشى أن يُغيِّره البخلُ

مثله قول الآخر:

أجد الملامة في هواكِ لذيذةً ... حبّاً لذكراكِ فَلْيلُمني اللُّوَّمُ

ليلَى ابنة مرٍّ المَيْدعانيّة:

لو مَيْدَعان دعا الصَّريخُ إذاً ... قرعَ القِسيَّ سواعدٌ سُعْرُ

قومٌ إذا حضروا الهِياجَ فلا ... ضربٌ يُنَهْنِهُهم ولا زجْرُ

حُمر العيون لدى لوائهمُ ... يترَبَّدون كأنَّهم نُمْرُ

وكأنَّهم آسادُ محنيةٍ ... عريتْ وبلَّ متونها القَطْرُ

أنذرتُ عمراً وهو في مَهلٍ ... قبلَ الصَّباح فقد عصى عمرو

وإذا أمرتَ وقد نصحتَ ولم ... يُسمعْ لأمرك لم يكن أمْرُ

المرّار الفقعسيّ:

يمشين وهْناً وبعد الوهن من خَفرٍ ... ومن حياءٍ غضيض الطَّرْفِ مستورِ

إذا انْتسبنَ ذكرن الحيَّ من أسدٍ ... مُنزَّهات عن الفحشاء والزُّورِ

يحملن ما شئتَ من دينِ ومن حسبٍ ... وما تمنَّين من خَلْقٍ وتصويرِ

غُرٌّ منعَّمةٌ يضحكن عن بَردٍ ... تممْنَ في أيّ تبتيلٍ وتخْصيرِ

لا يَلْتفتْنَ ولا ينطقْنَ فاحشةً ... ولا يُسائلنَ عن تلك الأخابيرِ

وله:

أيقَظْتهنَّ وما قضتْ نوماتِها ... نُجْلَ العيون نواعم الأبْشارِ

بيضٌ يُزيِّنُها النَّعيمُ كأنّها ... بقرُ الصَّريم عوانسٌ وعذاري

وكفى حداثتَها عفافُ جُيوبها ... رُغبَ العيون رعيّةَ المِغيارِ

ينفحن بالآصال كلَّ عشيَّةٍ ... نفحَ الرّياضِ بحَنْوةٍ وعَرارِ

ابن الدّمَينة:

ألا حبَّذا الماءُ الَّذي قابلَ النَّقا ... ويا حبَّذا من أجل ظمياءَ حاضِرُهْ

إذا ابتسمتْ ظمياءُ واللَّيلُ مُسدفٌ ... تجلَّى ظلامُ اللَّيل حين تُباشرُهْ

ولو سألتْ للنّاس يوماً بوجهها ... سحابَ الثُّريّا لاسْتهلَّتْ مواطِرُهْ

مثله لكُثيِّر:

رَمَتْني على فَوتٍ بُثينةُ بعدما ... تولَّى شبابي وارْجحَنّ شبابُها

بعينَين نَجلاوين لو رَقْرقَتْهما ... لنوءِ الثُّريّا لاستهلَّ سحابُها

ولكنَّما ترمين نفساً سقيمةً ... لعزّةَ منها صفوُها ولُبابُها

من أجود ما وُصف به القوّاد قولُ الفرزدق:

وآلفةٍ برْدَ الحِجال احْتَويتها ... وقد نام من يخشى عليها وأسْحرا

تغلغلَ وقاعٌ إليها فأقبلَتْ ... تجوسُ خُداريّاً من اللَّيل أخضرا

لطيفٌ إذا ما انسلَّ أدرك ما ابتغى ... إذا هو للظَّبي الغرير تقتَّرا

يزيد على ما كنت أوصيتهُ به ... وإن أنكرتْهُ لانَ ثُمّتَ أنكرا

وبِتنا بثوبينا الفِرِندين نَسْتقي ... لِثاتٍ ومن لم يرْوَ منّا تغمّرا

وبتنا كأنَّ الماء يجري حبابهُ ... بنا حين جاء الماءُ أو حين أدْبرا

أمّا قوله " يزيد على ما كنت أوصيته به " البيت، فمثلُ قول عمر بن أبي ربيعة:

ترفعُ الصَّوتَ إذا لانَتْ لها ... وتُراخي عند سورات الغضبْ

وبيت عمر أجود لفظاً ومعنًى وفي بيت الفرزدق زيادة وهي: " يزيد على ما كنت أوصيته به ".

الأعور الطَّائيّ:

قِفا فانْظرا هل يرفع الآلُ رفعةً ... لنا نخلتَي وادي النَّقا فنراهُما

هما نخلتان طالتا وارْجحنَّتا ... وطاب بربْعيِّ الثرى مَغْرِساهُما

ظلالهما تشفي من الدّاء والجوى ... ويشفي من الخبْل الطَّويل جناهُما

ذو الإصبع الطَّائيّ:

لقد كنتُ لاقيتُ العناءَ من الصِّبا ... وبرّحَ بي بخل الغواني وجودُها

ويقتادني والله يغفر ما مضى ... إليهنَّ أخدانُ الصِّبا وأقودُها

الحريش بن مرّة الأزديّ:

إذا ما التقينا أنْطَقتنا رِماحُنا ... وليس لها في كلّ ما فعلتْ خُبْرُ

وطُلِّقتِ إنْ لم تسألي أيّ عُصبةِ ... غداةَ التقينا في أسنَّتنا الجمْرُ

الشمردل اليربوعيّ:

ثمَّ استقلَّ مُنعَّماتٌ كالدُّمى ... نُجلُ العيون رقيقةُ الأكبادِ

كذوبُ المواعدِ ما يزالُ أخو الصِّبا ... منهنّ بين مودَةٍ وبعادِ

حتَّى ينالَ خَبالُهنّ تجلُّباً ... عقلَ الشديد وهنّ غيرُ شِدادِ

والحبُّ يعطفُ بعد هجرٍ بيننا ... ويهيجُ مَعْتبةً لغير تَعادِ

ابن الدُّمَينة:

ألا ليتنا كنّا طريدين في دمٍ ... يُطالبُنا قومٌ شديدٌ تُبولها

فنخفى على حدس العدوّ وظنِّهِ ... ويُحرزُنا عرضُ البلاد وطولُها

أشعارهم في الأماني أكثر من أن تلحق وتصرّفهم فيها أوسع من أن يجمع وقد كتبنا منه شيئاً قبل هذا الموضع، وممَّا لم نكتبه قول العباس ابن الأحنف:

ألا ليتنا نَعمى إذا حيلَ بيننا ... وتَنْشا لنا أبصارُنا حين نلتقي

أضِنُّ على الدُّنيا بطرفي وطرفها ... فهل بعد هذا من فعالٍ لمشفقِ

هذا مأخوذ من قول جميل:

ألا ليتني أعمى أصمُّ تقودُني ... بثينةُ لا يخفى عليَّ كلامُها

إلاَّ أنَّ جميلاً لم يدْعُ عليها بالعمى بل على نفسه إشفاقاً عليها.

ومثل المعنى الأول في المُنى قول الآخر:

فبتُّ أُراعي النَّجمَ حتَّى كأنَّما ... بناصِيتي حبلٌ إلى النَّجمِ موثَقُ

وما طالَ ليلِي غيرَ أنِّي بوعدها ... أُعلِّلُ نفسي بالأماني فتقلقُ

ومثله لآخر:

ولِي من نَجِيّ النَّفس دنيا عريضةٌ ... ومُنتصحٌ يَعدو عليَّ فيطرقُ

فقدتُ المنَى لا نحن نَلهو عن المنَى ... لتجربةٍ منَّا ولا هيَ تَصدقُ

ومن أجود ما قيل في المنَى قول مسلمٍ:

في المُنَى راحةٌ وإنْ علّلْتَنا ... من هواها ببعض ما لا يكونُ

ما دعانِي الهوَى إليك ولكنْ ... باسْم داعِي الهوَى عَنَتْني المنونُ

أترانِي سُررتُ بعدك يوماً ... ليس قلبي إذاً عليك حزينُ

وإذا ما قنعتُ باليأس منها ... نصبتْ شبهةً عليَّ الظُّنونُ

ومن جيّد هذا المعنى أيضاً قول ابن المعتزّ:

أما في اللَّيالي أنْ تَعودَ ونَلتقي ... بلَى في اللَّيالي سهلُها وحزونُها

إذا كانَ يحلُو فيكمُ كذبُ المُنَى ... إذا ما ذكرْناكم فكيف يقينُها

مثله قول ابن ميَّادة:

أبِيتُ أُمنِّي النَّفس من لاعج الهوَى ... إذا كادَ بَرْحُ الشَّوق يُتلِفها وجْدا

مُنًى إنْ تكنْ حقّاً تكنْ أفضلَ المنَى ... وإلاَّ فقد عِشنا بها زَمَناً رَغْدا

أمانيَّ من سُعدَى عذاباً كأنَّما ... سقتْنا بها سُعدَى على ظمأٍ برْدَا

ألا حبَّذا سُعدَى على فَرط بُخلها ... وإخْلافِها بعد المِطال لنا الوعْدا

عبد الله بن موسى:

ألم تعلَمِي يا ضلَّ رأيُكِ أنَّني ... لِوصْلِ الغواني مُتلف ومفيدُ

وإنِّي لمطروق المياه ورَنْقِها ... عيوفٌ وللعَذْب الفُرات وَرودُ

وإنَّ رجوعي عند أوَّل مرَّةٍ ... إذا عِبتُ أخلاقَ الصَّديقِ بعيدُ

الأعور الشِّنّيّ:

يا أُمَّ عُقبةَ سمعاً إنَّني رجلٌ ... إذا النُّفوسُ ادَّرَعنَ الرُّعبَ والرَّهَبا

لا أمدحُ المرءَ أبغِي فضلَ نائلِهِ ... ولا أظلُّ أُداريهِ إذا غَضبا

ولا تَرَيني على بابٍ أُراقبُهُ ... أبغِي الدُّخولَ إذا بوَّابُهُ حَجَبا

شُريح بن أوس يصف الغبار من ركْض فرسٍ:

فانقضَّ كالدِّرِّيّ يتبَعُه ... نَقعٌ يثورُ تَخالُهُ طُنُبا

يخفَى وأحياناً يلوحُ كما ... رفع المُشيرُ بكفِّهِ لَهَبا

الأزرق بن المُكعبَر:

وتنفِرُ من عمرٍو ببيداءَ ناقتي ... وما كانَ سارِي اللَّيل ينفر من عمرِو

لقد حَبَّبتْ عندي الحياةَ حَياتُهُ ... وحُبِّبَ سُكنَى القبر مُذ صارَ في القبرِ

ومثل بيته الأوَّل بيت الآخر وهو حسَّان يخاطب ناقته ونفرت عن قبر ربيعة بن مُكدَّم الكِنانيّ:

نفرتْ قَلوصِي من حجارةِ حَرَّةٍ ... بُنيتْ على طَلْق اليَدَين وَهوبِ

ومثل هذا المعنى بل أزيد منه قول الأشقريّ وقد مرَّ بقبر المهلّب بن أبي صفرة فنفرتْ ناقتُهُ فقال:

لحاكِ اللهُ يا شرّ البَرايا ... أعن قبر المهلَّب تَنفِرينا

فلولا أنَّني رجلٌ غريبٌ ... لكنتِ على ثلاثٍ تَحْجُلينا

قِماص بن وربل:

وأنتَ الَّذي نجَّيتَني من عظيمةٍ ... وأطلعْتَني للسَّهل من مَطلعٍ وَعْرِ

فإلاَّ يُدِلْنِي الدَّهرُ منك جزاءها ... فعندي جزاءٌ من ثناءٍ ومن شُكرِ

إذا أنا لم أنفعْ صَديقِي ولم يبِتْ ... عدوِّي على ضيمٍ فغيَّبَنِي قبرِي

أبو الوليد الكنانيّ:

أُسرُّ بمرِّ يومٍ بعد يومٍ ... وبالحَولَينِ والعام الجديدِ

وأفرحُ بالمَحاق وبالدَّآدِي ... يسُقْنَ البِيضَ في أكناف سُودِ

وفي تكرارهنَّ نَفادُ عمرِي ... ولكن كَي يشِبَّ أو يزيدِ

غلامٌ من سَراة بني لؤيٍّ ... مَنافِيُّ العُمومة والجُدودِ

مثله:

يُقِرّ بعَيني وهْو يَنْقُص مُدَّتي ... ممرُّ اللَّيالي أنْ يشبَّ حكيمُ

مخافةَ أنْ يَغتالنِي الموتُ قبلَهُ ... فيغشَى بيوتَ الحيِّ وهْو يتيمُ

جابر بن عرفجة:

اصبِرْ على قُحَم النَّوائبِ مثلَ ما ... صبرتْ لها آباؤك الأشرافُ

النَّاجِلوك فلا يَفيلُ سَليلُهم ... ومن الحديد تقطَّعُ الأسيافُ

هذا مثل قول المُحدَث:

أنت غصنٌ من ذلك المنبِت ال ... زَّاكي ونصلٌ من ذلك الفولاذِ

أبو الجويرية العبديّ:

أنَخْنا بفيّاض اليدَين يمينُهُ ... تبكِّرُ بالمعروف ثمَّ تروِّحُ

ويُدلجُ في حاجاتِ مَن هو نائمٌ ... ويُورِي كريماتِ النَّدَى حين يَقدحُ

يزيدُ على سَرْو الرِّجال بسَرْوِهِ ... ويَقصُر عن مَدح من يتمدَّحُ

يمدُّ نِجادَ السَّيف حتَّى كأنَّه ... بأعلَى سَنامَي فالجٍ يتطوَّحُ

يلقِّحُ نارَ الحرب بعد حِيالها ... ويخدِجُها إيقاعُهُ حين تلقَحُ

طُريح الثَّقفيّ:

ما كنتُ أحسبُ أنَّ بحراً زاخراً ... عمَّ البريَّة كلَّها الدَّأداءَ

أضحَى دَفيناً في ذراعٍ واحدٍ ... من بعدِ ما ملأَ الفضاءَ علاءَ

إلاَّ عطاياهُ الجسامُ فإنَّها ... فَضَحتْ بأدنَى جُودها الأنواءَ

هذا مثل قول الأشجع:

عَجَباً لخمسة أذرعٍ في بعضها ... ضُمَّتْ على جَبَلٍ أشمَّ رفيعِ

مثله لأبي تمَّام:

وكيفَ احْتِمالي للسَّحاب صَنيعةً ... بإسقائها قبراً وفي لَحده البحرُ

وأيضاً قولُ ابن مُطير:

ويا قبرَ معنٍ كيف وارَيْتَ جودَهُ ... وقد كانَ منه البرُّ والبحرُ مُترَعا

بلَى قد وَسِعتَ الجودَ والجودُ ميِّتٌ ... ولو كانَ حيّاً ضقتَ حتَّى تصدَعا

الفرزدق:

يقولونَ زُرْ حدراءَ والتُّربُ دُونها ... وكيف بشيءٍ وصلُهُ قد تقطَّعا

ولستُ وإنْ عزَّتْ عليَّ بزائرٍ ... تُراباً على مَرموسة عادَ بَلْقَعا

وأهوَنُ مفقودٍ إذِ الموتُ غالَهُ ... على المرءِ من أخدانِهِ من تقنَّعا

وأيسَرُ رُزْءٍ لامرئٍ غير عاجزٍ ... رزيَّةُ مرتَجِّ الرَّوادفِ أفْرَعا

تهزُّ السُّيوفَ المشرِفيَّاتِ دونَهُ ... حذاراً عليه أنْ يذِلَّ ويفزَعا

ولا يشهدُ الهَيجا ولا يحضُر النَّدَى ... ولا يُصبحُ الشَّربَ المُدامَ المشعشَعا

بلَى يلدُ النَّائي الشَّطيرَ محلُّهُ ... ويورِثُهُ المالَ التَّليدَ المُمَنَّعا

مثله:

بَنُونا بَنو أبنائِنا وبَناتُنا ... بَنوهنَّ أبناءُ الرِّجالِ الأباعِدِ

على معاني هذا الشّعر عوّل البحتري في الشِّعر الَّذي عزَّى به أبا نهشل بن حُميد عن ابنته والمعنى منه هذا:

أتُبكِّي مَن لا ينازلُ بالرُّمْ ... حِ مُشيحاً ولا يهزُّ اللِّواءَ

لَسن من زينة الحياة لِعَدِّ ال ... له فيها الأموال والأبناءَ

قد وَلَدن الأعداءَ قِدماً وورّثْ ... نَ التِّلادَ الأقاصِي البُعداءَ

ولعمري ما العجزُ عنديَ إلاَّ ... أنْ تَبيتَ الرِّجالُ تَبكي النِّساءَ

ومثله قول السُّليك بن السُّلَكة في امرأةٍ من قومه:

ونُبِّئتُها حرَمَتْ قومَها ... لتَنكحَ من معشرٍ آخَرينَا

فإنَّ البعيدَ ليُحظِينَهُ ... تلادَ القريب من العالَمينَا

ولستَ يُنازلنَ يومَ الوَغَى ... ولا يتصدَّينَ للدَّارعينَا

فطُوفِي لتلْتَقِطِي مثلَنا ... وأُقسمُ بالله لا تفعلينَا

إذا الخيلُ أُكرهنَ في غمرةٍ ... من الموتِ يعْرَين فيها عرِينَا

نما مثلنا حين تَهفو الشَّمال ... ويَغلو القُتار على المُشترينَا

ولكنْ لعلَّكِ أنْ تَنكحي ... لئيمَ المركَّب خَبّاً بَطينَا

فإمَّا نكحتِ فلا بالرِّفاء ... ولا بالسُّرور ولا بالبَنينَا

وزُوِّجتِ أشمطَ في غربةٍ ... تُجَنُّ الحَليلةُ منه جُنونا

خليلَ إماءٍ تَقَسَّمنَهُ ... وللمُحصنات ضَروباً مُهينَا

يُريكِ الكواكبَ نصفَ النَّهار ... وتلقَين من بغِضِ الأقْوَرينَا

كأنَّكِ من بغضِهِ فاقدٌ ... تُرجِّع بعد حَنينٍ حَنينَا

مُعِدٌّ بلا زَلَّةٍ تَفعلين ... لظَهركِ بالظُّلم سَوطاً مَتينَا

كأنَّ المساويكَ في شدقِهِ ... إذا هُنَّ أُكرهنَ يقلعنَ طِينا

وقَلَّبتِ طرفِكِ في ماردٍ ... تظلُّ الحمامُ عليه وُكونا

فأبعدكِ اللهُ مِن جارةٍ ... وألزَمَكِ اللهُ ما تكرهينَا

في ألفاظ هذا الشِّعر بعض التَّخلُّف وإنَّما كتبناه لما فيه من المعنى الَّذي قدَّمنا ذكره ولأنَّ هذا المعنى قليلٌ في الشِّعر جدّاً.

ولمَّا قال مُضرِّسٌ:

وقِدْرٍ كحَيزوم النَّعامة أُحمِشَتْ ... بأجذال خُشْبٍ زالَ عنها قَشيبُها

سمع ذلك زياد الأعجم فقال: وما حيزوم النَّعامة؟ لعن الله هذه من قدرٍ فما أحسبُها تُشبع عيالَ مُضرِّس، فقيل له: كيف تقول أنت؟ قال: أقول أنا:

وقِدْرٍ كجَوف اللَّيل أحمشتُ غَلْيَها ... تَرَى الفيلَ فيها طافياً لم يفصَّلِ

لَوَ انَّ بَني حوَّاءَ حولَ رمادِها ... لما كانَ منهم واحدٌ غيرَ مُصطلِ

وله أيضاً في مثل هذا المعنى:

بوَّأتُ قِدْري موضعاً فجعلتُها ... برابيةٍ ما بين مِيثٍ وأجرَعِ

جعلتُ لها هَضب الرِّجام وطِخْفَةً ... وغَولاً أثافي هَضبها لم تُنزَّعِ

وقدرٍ كجوفِ اللَّيل يبعُدُ قعرُها ... تَرَى الفيلَ فيها طافياً لم يقطَّعِ

نعجِّلُ للأضياف وارِي سَدِيفها ... ومَن يأتِها من سائرِ النَّاس يشبَعِ

مثله لطفيل، بالوقود:

إذ اسْتَحْمَشوها بالوَقود تغيَّظتْ ... على اللَّحم حتَّى تتركَ العظمَ بادِيا

خليلةُ طُرَّاق الظَّلام رَغِيبةٌ ... تُلقَّمُ أوصالَ الجزور كما هِيا

مثله للأسديّ:

وسوداءَ لا تُكْسَى الرِّقاعَ نبيلةٍ ... لها عندَ قُرَّات العَشيَّات أزمَلُ

إذا ما قَرَيناها قِراها تضمَّنتْ ... قِرَى مَن عَرَانا بل تَزيدُ فتفضُلُ

مثله للكميت:

نصبْنا لهم دَهماءَ ذات هماهِمٍ ... طويلاً بأفناءِ البيوتِ ركودُها

لها مُوْقِدان دانيان وواقفٌ ... يخافُ اطّلاعَ غَلْيِها فيذودُها

إذا صدرتْ عنها رِفاقٌ برزقهم ... تعودُ رِفاقٌ بعدَهم فتُعيدُها

مثله للفرزدق:

وضيفٌ بلحنِ الكلبِ يدعُو ودونَهُ ... من اللَّيل سِجْفا ظلمةٍ وغيومُها

دَعَا وهْوَ يرجو أن ينبِّهَ إذ دَعَا ... فتًى كابْن ليلَى حين غابت نجومُها

بعثتُ له دَهماءَ ليست بناقةٍ ... تدرُّ إذا ما هبَّ نحساً عقيمُها

كأنَّ المحالَ الغُرَّ في حَجَراتها ... عَذارَى بدَتْ لمَّا أُصيبَ حَميمها

مُحضَّرةٌ لا يُجعلُ السّترُ دونها ... إذا المُرضعُ العوجاءُ جالَ بَرِيمُها

وله في غير هذا المعنى:

لقد خفتُ حتَّى لو أرَى الموتَ مقبلاً ... ليأخذَني والموتُ يُكرَهُ زائرُهْ

لكان من الحجَّاج أهونَ روعةً ... إذا هو أغضَى وهْوَ سامٍ نواظرُهْ

أدبُّ ودُوني سيرُ شهرٍ كأنَّني ... أراك وليلٌ مُستحيرٌ عساكرُهْ

ذكرتُ الَّذي بَيني وبَينك بعدَما ... رمَى بيَ مِن نَجْدَي تِهامة غائرُهْ

ولو أنْ ركبتُ الرِّيحَ ثمَّ طلبْتَني ... لكنتُ كشيءٍ أدركتْهُ مقادرُهْ

البيت الأخير من هذه الأبيات جيِّد المعنى نهاية في المخافة والأصل فيه بيت لم يُلحق جودةً وفصاحةً وصحَّةً وهو بيت النابغة:

فإنَّك كاللَّيل الَّذي هو مُدرِكِي ... وإنْ خلتُ أنَّ المُنتأَى عنكَ واسعُ

كلّ من تعاطى اللّحاق بهذا البيت قصر دونه. وقد تعاطاه جماعة من الشعراء فلم يقعوا قريباً منه، فمنهم الفرزدق وقد ذكرنا شعره، ومنهم محمد بن عبد الله النُّميريّ وهو الَّذي كان يشبِّب بأخت الحجَّاج، فلمَّا أخافه هرب فلم تقلَّه الأرض فرجع إلى الحجَّاج وقال:

هاكَ يدي ضاقتْ بِلادي برُحْبِها ... وإنْ كنتُ قد طوَّفتُ كلَّ مكانِ

فلو كنتُ في جَوّ السَّحاب محلِّقاً ... لخِلْتُك إلاَّ أن تصدَّ تَراني

ومثله قول بعض بني أبي حفصة، لعنهم الله، في إدريس بن عبد الله ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وقد هرب من المنصور فأوقع عليه الحيلة حتَّى قتله، رضي الله عنه وعن آبائه، والَّذي قتله ابن الأغلب في خبر طويل أردنا المعنى منه، وهو:

أتظنُّ يا إدريس أنَّك مُفلتٌ ... كيدَ ابنِ أغلبَ أو يقيك فرارُ

فليدركنَّكَ أو تحلَّ ببلدةٍ ... لا يهتدي فيها إليك نهارُ

مثله قول سلم الخاسر يعتذر إلى المهديّ:

إنِّي أتَتْني عن المهديّ مَعتبةٌ ... تظلُّ من خوفها الأحشاءُ تضطربُ

اسمَعْ فِداك بنو حوَّاء كلُّهم ... فقد يحورُ برأس الكاذب الكذبُ

مَولاك مَولاك لا تُشمتْ به أحداً ... فما وراءَكَ لي ذكرٌ ولا سببُ

ولو ركبتُ عِنان الرِّيح أصرفُها ... في كلِّ ناحيةٍ ما فاتكَ الطَّلبُ

عبد الله بن نافع:

وكنَّا إذا النَّاسُ هاجوا بنا ... وسنُّوا الشِّقاقَ سننَّا الشِّقاقا

فإنْ فاءَ قومٌ إلى صُلحنا ... رجعنا كراماً إذا الأمرُ ضاقا

فنَحْلو مِراراً ومرّاً نُمِرّ ... فلا يجدُ النَّاسُ فينا مَذاقا

أُمّ الكُميت العدويَّة ترثي ابنها:

لأُمّ البلاد الويلُ ماذا تضمَّنتْ ... بأكناف حُزْوَي من سماحٍ ونائلِ

ومن وقَعاتٍ بالرِّجال كأنَّها ... إذا عيَّتِ الأقوالُ وقعُ المناصِلِ

مثله لبعض شعراء بكر بن وائل يرثي بسطام بن قيسٍ:

لأمّ الأرضِ ويلٌ ما أجنَّتْ ... غداةَ أضرَّ بالحسنِ السَّبيلُ

رافع الأسديّ وكان جنى جنايةً فطلبه الحجَّاج فهرب وقال:

تهدَّدْ رويداً لا أرَى لك طاعةً ... ولا أنا ممَّا ساءَ وجهَكَ مُعتبُ

لعلَّك يوماً أن تراني مُدجَّجاً ... بحيث يُرى حامي الحقيقة مِحْرَبُ

هنالك تلقاني ضحًى إن لقِيتَني ... وفي السَّيف لي نصفٌ وفي الحقِّ مَغضَبُ

ابن وابصة الثَّقفيّ:

أُهينُ لهم مالي وأعلمُ أنَّني ... سأُورثُهُ الأعداءَ سيرةَ مَن قَبلي

وما وجَدَ الأضيافُ فيما يَنوبُهم ... لهم عند أزمات الشِّتاء فتًى مِثلي

أبو الأشهب الوالبيّ:

أقولُ وقد أضمرتُ وجداً كأنَّه ... بأكنافِ حضْنَيَّ الوشيجُ النَّواشبُ

أمِتْ حبَّ ليلَى موتَ نفسٍ عزيزةٍ ... عليك أصابتْها المنايا الشَّواعبُ

الصِّمَّة القشيريّ:

رأتني الغَواني قد تَرَدَّيت شَملةً ... وأُزّرتُ أُخرى فازْدَرَتْني عيونُها

وفي شَملتي لو كنَّ يَدرينَ سَورةٌ ... من الجَهل مجنونٌ بهنَّ جنونُها

رجام بن علي الصيداوي:

تأوَّهتُ من ذِكرَى أُميمة بعدما ... مضَى زمنٌ بعدَ اللِّمام طويلُ

تأوُّهَ مغلولٍ بكبْلَين يُدَّعَى ... عليه بإثبات العُدول قتيلُ

ليلَى بنت منظور العبديَّة:

عيَّرتَني يا أخي أنْ كنتَ قاتلَه ... ولستَ أوَّل عبدٍ ربَّه قَتَلا

وقد دعاك غداةَ المَرْج من مَلِكٍ ... إلى البِراز فلم تفعلْ كما فَعَلا

فلا عدمتَ امرأً هالتْك خِيفتُه ... حتَّى حسبتَ المنايا تسبِق الأجَلا

مثله قول حسَّان:

لا تعدَمَنْ رجلاً أحلَّك خَوفَهُ ... نَجران في عيشٍ أحَذَّ ذَميم

مالك بن حلاوة العذريّ:

يا ليت هامةَ قُنفذ بن مُخاشنٍ ... شهدتْ مَراجفَ خيلِنا بالأجْوَلِ

لا تحسبَنْ أنَّا نَسينا مُدرِكاً ... كلاَّ لعمري إنَّنا لم نفعلِ

إنَّا على ما قد علمتَ وإنَّنا ... ناسٌ خُلِقْنا من صلابِ الجندلِ

كثيِّر:

جرَىَ ناشئاً للخَير في كلِّ حلبةٍ ... فجاءَ مجيءَ السَّابقِ المتمهِّلِ

أشدَّ حياءً من فتاةٍ حَيِيَّةٍ ... وأمضَى مضاءً من سنانٍ مُؤلَّلِ

هذا قول ليلى:

فتى كان أحيا فتاة حيية حميد ... وأشجع من ليث بخفان خادر

هذا مثل قول:

فتًى كانَ أحيا من فتاةٍ حَيِيَّةٍ ... وعند طِراد الخيل كالأسد الوردِ

وَسْنَى بنت عامر الأسديَّة وهذه الأبيات من أطبع أشعارهم وأغربها معنًى، بل ما نعرف في صفة الجَدْب والخِصْب مثلها، وهي:

ألمْ تَرَنا غبَّنا ماؤنا ... زماناً فظَلْنا نَكدّ البِئارا

فلمَّا جَفا الماءُ أوطانَهُ ... وجفَّ الثِّمادُ فصارتْ حِرارا

وضجَّتْ إلى ربّها في السَّماء ... رؤوسُ العِضاهِ تُناجِي سِرارا

وفَتَّحتِ الأرضُ أفواهَها ... عَجيجَ الجِمال وَردنُ الجِفارا

فقلنا أعيرُوا النَّدَى حقَّه ... وصَبْر الحِفاظ ومُوتوا حِرارا

فإنَّ النَّدَى لَعسى مرَّةً ... يردُّ إلى أهله ما اسْتعارا

فبَيْنا نوطِّنُ أحشاءَنا ... أضاءَ لنا عارضٌ فاسْتطارا

وأقبلَ يزحفُ زحفَ الكسي ... رِ سَوقَ الرِّعاءِ البِطاءَ العِشارا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015