فضمَّتْ بأيديها على فضلَ مائها ... من الرَّيِّ لمّا أوشكتْ أنْ تضلَّعا

وزهَّدها أن تفعلَ الخيرَ في الغنى ... مُقاساتُها من قبله الفقرَ جُوَّعا

هذه الأبيات طريفة المعنى، ومثلها قولُ الآخر:

سألنا أناساً حاجةً بَخِلوا بها ... ولم يكُ ذا بعدٍ مداه عسيرُ

وهيهاتَ أنْ يأتيكَ بالخير سائلٌ ... بساقَيْه للكلب العَقورِ عقورُ

مثله:

إذا كنتَ لا بدَّ مُستطْعِماً ... فدعْ عند من كان يستَطْعِمُ

ولا تسأل النَّاس إلاَّ فتًى ... له نسبٌ في الغنى أقْدَمُ

مثله:

قد لبسوا ثوبَ الغنى جديداً ... فيحذرون الفقرَ أن يعودا

والبيت السائر في هذا المعنى:

إنَّ من عضَّتِ الكلابُ عصاه ... ثمَّ أثْرى فبالحَرى أن يجودا

قال بعض الأعراب وغزا في أيام الفتوح إلى ناحية خراسان واعتلَّ فكان في قصر من قصور الرّي وجاشث الدَّيلم وكان في كل يوم ينادي المنادي بالنفير فقال:

لعمري لجوٌّ من جواءِ سُويْقَةٍ ... أسافلُه مَيثٌ وأعلاه أجْرَعُ

به العِينُ والآرامُ والأُدْمُ ترتعي ... وأمّ الرِّئال والظّليم الهجنَّعُ

أحبُّ إلينا أن نجاورَ أهلنا ... ويُصبحَ منا وهو مرأى ومَسمعُ

منَ الجوسق الملعون بالرَّيّ لا يني ... على رأسهِ داعي المنيَّةِ يلمعُ

يصيحُ عليه الدّيدبانُ فلا أُرى ... نهاري ولا ليلي من الخوف أهجعُ

يقولون لي اصبر واحتسبْ قلتُ طالما ... صبرْتُ ولكنْ ما أرى الصَّبر ينفعُ

فيا ليت أجري كان قُسِّم فيهمِ ... ومن دونيَ الصمّان والرَّملُ أجمعُ

فكان لهم أجري هنيئاً وأصبحتْ ... بيَ البازلُ الكوماءُ في الرَّملِ تضبعُ

ولأعرابيّ دخل الحضر فاشتاق البدو:

لعمري لأصحاب المكاكيّ بالضّحى ... وسُحْمٍ تنادى بالعشيِّ نواعِبُهْ

أحَبُّ إلينا من فراخ دجاجة ... صغارٍ ومن ديكٍ تنوسُ غباغبُهْ

مثله لآخر:

والله للنَّومُ بوادي ذي غضاً ... مُختلطِ فيه الحمامُ بالقطا

وقد جرتْ في روضهِ ريحُ الصّبا ... وانْحلَّ في قيعانهِ خيطُ السما

أشهى إلى قلبيَ من ريحِ القُرى

أخذ أبو تمَّام قوله " وانحلّ في قيعانه خيط السما " فقال:

وانحلَّ فيها خيط كلّ سماءِ

والبيت الأول خيرٌ مما قال أبو تمَّام.

مثله لآخر:

ليت لنا بالجوز واللّوز كمْأةً ... جناها لنا من بطن نخْلةَ جانِ

وليت لنا بالدِّيك صوتَ حمامةٍ ... على فننٍ من أرض بيشة دانِ

وليت القِلاصَ الأُدْمَ قد وخدتْ بنا ... بوادٍ تهامٍ في رُباً ومتانِ

بوادٍ تهامٍ تُنبتُ السّدْرَ صدرُه ... وأسفلُه بالمرج والعَلَجانِ

وقريب منه لآخر:

يجيئوننا بالورْد كلَّ عشيَّة ... وللشِّيحُ في عينيَّ أذكى من الورْدِ

ولا سيَّما إن كان من شيح تلعة ... بوادي سبيب جادَه صيِّبُ الرَّعْدِ

فتلك لعمري نظرةٌ لو نظرتُها ... ستُذهبُ وجدي أو تزيدُ على وجدي

ومثله لآخر:

عجبتُ من العطّار جاء يسومنا ... برابية السكران دُهنَ البنفسَجِ

فيا أيّها العطّار هلاَّ أتيتَنا ... بجرزة شيح أو بخوصة عرفجِ

تزوج بعض الأعراب امرأةً من الحضر فلم تُرْضِه فقال:

لَعمري لأعرابيّةٌ في مِظلّةٍ ... تظلّ برَوقى بيتها الرّيح تخفِقُ

أحبُّ إلينا من ضناك ضِفِنَّةٍ ... إذا وُضعتْ عنها المراويحُ تَعرقُ

كبطِّيخة البستان يُرضيك ريحُها ... صحيحاً ويبدو خُبثُها حين تُفتَقُ

مثله لآخر:

عدمت نساءَ المصر إنّ نساءهُ ... قِصارٌ هواديها عِظامٌ بطونها

فلا تُعْطِ في مصريَّةٍ نضف دانقٍ ... وإنْ ثقُلتْ أردافُها ومُتونها

مثله لآخر:

لتُدْرِك من نجد بلاداً مريعَةً ... وبيضاً كغزلان الصريم الكوانسِ

أولئك ما يدرينَ ما كامخ القُرى ... ولا عصبٌ فيها رِئاتُ العَمارسِ

ولا السَمك البحريّ لم يطَّبِخْنهُ ... طريّاً ولم يأكُلْنه وهو يابس

ومثله:

تقول له راهيَّةٌ ذات كِدْنةٍ ... منفَّخة الجَنْبينِ غبغبُها شبْرُ

تعالَ ودعْ نجداً وطيبَ ترابه ... إليَّ فلا نقْدٌ عليك ولا مهْرُ

فهذيَ خُدَّامٌ وكأسُ مدامةٍ ... وهذيَ أنماطٌ ومنقوشة صفْرُ

فقلتُ لها منَّتْكِ نفسُكِ حاجةً ... كذوب اللّقاء دونَها جبلٌ وعْرُ

مثله لأعرابيّ أسديّ:

قالتْ له مزَّاحةٌ ذاتُ بُرقعٍ ... وأخرى أدلَّتْ بالملاحةِ سافِرُ

أنحن فهاتِ الحق أحسنُ أوجُهاً ... ودلاًّ أمِ اللاّتي لهنَّ الأباعرُ

فقلتُ نساءُ الحيِّ أحسنُ أوجُهاً ... وأطيبُ نشراً حينَ تفنى الذّرائرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015