رأتْ قَتَباً رثّاً وسما عَباءةٍ ... وأسودَ ممَّا يملكُ النَّاسُ عارِيا
فلو كنتُ ورداً أبيضاً لعَشِقْنَني ... ولكنَّ ربِّي شانَني بسوادِيا
يُرجِّلنَ أقواماً ويتركنَ لمَّتي ... وذاك هوانٌ ظاهرٌ بدا لِيا
تحدَّرنَ من تلك الهضاب عشيَّةً ... إلى الطلح يبغين الهوَى والتَّصابِيا
وقلنَ ألا فالعبنَ ما لم يرُدَّنا ... نُعاسٌ وما لم يُرسلوا ليَ داعِيا
وقلنَ لصغراهنَّ أنتِ أحقُّنا ... بطرحِ الرِّداءِ إن أردتِ التَّباهِيا
تَمارَيْنَ حتَّى غاب نجم مُكبِّد ... وحتى بدا النَّجم الَّذي كانَ تالِيا
وحتى أنارَ الفجرُ أبيضَ ساطعاً ... كأنَّ على أعلاهُ ريطاً شآمِيا
فأدْبرنَ يخفِضْنَ الحديثَ كأنَّما ... قتلنَ قتيلاً أو أتَينَ الدَّواهِيا
وأصبحنَ صرعَى في الحِجال كأنَّما ... شربنَ مُداماً أو سَرَينَ ليالِيا
قال المفضّل: كان عبد بني الحسحاس أسود طمطانياً إلاَّ أنَّه كان حسن الشعر رقيق الألفاظ وأُتي به أول ما قال الشعر عثمان بن عفان فقيل له: اشتره فإنَّه شاعر، فقال: لا حاجة لي فيه؛ لأن العبد الأسود إذا كان شاعراً وجاع هجا مواليه، وإذا شبع شبَّب بنسائهم وهو آخر أمره مقتول. وكان الأمر كما قال. وسأل عمر بن الخطاب يوماً أهل مجلسه عن الَّذي يقول: " كفى الشَّيب والإسلامُ للمرءِ ناهِيا " فقيل: عبدُ بني الحسحاس، فقال: لو قدَّم الإسلامَ على الشَّيب لفرضتُ له. وقصيدته هذه الَّتي كتبناها فقد تناول منها ألفاظاً كثيرة، من ذلك قوله:
لياليَ تصطاد القلوب بفاحمٍ ... تراهُ أثيثاً ناعمَ النَّبتِ عافِيا
أخذه من قول الآخر:
لياليَ تصطاد الرِّجالَ بفاحمٍ ... وأبيضَ كالإغريضِ لم يتثلَّمِ