لتقارب المعنيين، ومن جيد ما قيل في صفة الثغر ونادره قول مسلم بن الوليد:
تبسَّمنَ عن مثلِ الأقاحي تبسَّمتْ ... له مُزنةٌ صَيفيَّةٌ فتبسَّما
وأحسن ما قيل في هذا المعنى للمتقدمين قول بشر بن أبي خازم:
يُفلِّجنَ الشِّفاه عن أقحوان ... جلاهُ غبَّ ساريةٍ قِطارُ
ويروى عن الأصمعي أنَّه قال: أحسن بيت ذُكر به الثغر بيت بشر هذا، وأحسن بيت قيل في فترة الجفون بيت ابن الرِّقاع:
وكأنَّها وسطَ النِّساءِ أعارَها ... عَينَيهِ أَحورُ من جآذرِ جاسمِ
وَسْنانُ أقصدَهُ النُّعاسُ فرنَّقتْ ... في عينِه سِنَةٌ وليسَ بنائمِ
ولعمري أن بيتي ابن الرقاع هذين في نهاية الحسن، ونحن نأتي بالنظائر في تفتير العيون وسقامهنّ في مواضع أُخر. فأمَّا قوله إنَّ بيت بشر أحسن ما قيل في صفة الثغر فالأمر عندنا بخلاف ذلك. والَّذي عندنا أنَّ بيت مسلم، وإن كان قد أخذ المعنى من بشر، أجود تركيباً وأحسن لفظاً وأبلغ معنى. وبعدُ إنَّ للمحدثين في ذكر الثغور من البدائع ما لم يأتِ بمثلها المتقدمون وإن كانوا الإمام المتَّبع، ونحن نذكر ههنا شيئاً من قول الجميع ونذكر أول من اخترع المعنى من المتقدمين. وأوَّل من شبَّه الثغر بالأقحوان أبو دؤاد الإيادي بقوله:
قامتْ تُريكَ غداةَ البين مُنْسَدلاً ... وبارداً كأقاحِي الرَّملِ برَّاقا
ومنه أخذ سائر الشعراء هذا التشبيه، فممَّن أخذه النابغة:
تجلُو بقادمتَي حَمامة أيكة ... بَرَدا أُسِفَّ لِثاتُهُ بالأثمِدِ
كالأقحوان غداةَ غبّ سمائِه ... جفَّتْ أعاليه وأَسفلُه نَدِي
شبه شفتيها واللَّما الَّذي فيهما بقادمتي الحمامة، وهذا الريش الَّذي