الشعر عقوبة ولم يُعدِهم عليه. وعُمر كان أعلم بالشعر من قائله ولكنَّه أراد بهذا معنًى. وأمَّا قول حميد بعد وصيته لصاحبيه بما ذكرناه: " ومدَّا لهم في السَّومِ " البيت فنهاية في التيقظ.
وأمَّا قوله وقد عاد إليه رسولاه بغير قضاء حاجة: " فما لهما من مرسلَين " البيت، فقد جوَّد لهما إذ كانا يستوجبان أضعاف ما دعا عليهما به لتقصيرهما مع وصيته إياهما واحتياطه في توجيههما، ولشتَّان بينهما وبين صاحبة ابن أبي ربيعة التي يقول فيها:
وبعثْنا طَبَّة عالمةً ... تخلِط الجدَّ مِراراً باللَّعبْ
ترفعُ الصَّوتَ إذا لانتْ لها ... وتُراخي عند سَورات الغضبْ
هذه بلغت بغير وصية كلّ ما نفس صاحبها، وهذان لم يبلغا، مع وصية صاحبهما، شيئاً.
ولحميد في هذا الشعر بيت قد أكثرت الشعراء في القديم والمحدث في معناه فما فيهم أحدٌ أتى به إلاَّ دون بيت حُميد، وهو قوله:
أرَى بَصَري قد خانني بعد صحَّةٍ ... وحسبُك داءً أن تصِحَّ وتسْلَما
هذا بيت قد جمع مع صحة المعنى جودة اللفظ وحسن التقسيم وملاحة الكلام، وإن كان أخذه ممن قبله فقد زاد عليه لأنَّ النمر بن تولب أول من أتى بهذا المعنى في قوله:
ودعوتُ ربِّي بالسَّلامة جاهداً ... ليُصحَّني فإذا السَّلامةُ داءُ
وهذا البيت وأن كان الأول فبيت حميد أحسن كلاماً وأجود وصفاً. وروي أن ابن عباس سمع منشداً ينشد بيت النمر هذا فقال: لا إله إلاَّ الله، ما أعجب هذا! كلام العرب متشبك بعضه ببعض. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: " لو لم يُوكل