بابن آدم غير الصحة والسلامة لأوشكا أن يُتلفا "، فالنبي صلى الله عليه وسلّم أتى بهذا المعنى منثوراً وأتى به الشاعر منظوماً. وقد ذكر جماعة من الشعراء المتقدمين والمحدثين هذا المعنى فبعضهم قارب وبعضهم قصّر. والأجود من كل ما قيل في هذا الباب بيت حميد. ولبعض المتقدمين فيه:
ويهوَى الفتَى طول السَّلامة جاهداً ... فكيف يُرى طولَ السَّلامة يفعَلُ
هذا وإن كان قائله متقدماً فهو دون ما ذكرنا، لأنه لم يبيِّن المعنى كما بيَّنه غيره، ولهذا قيل: المعنى لمن اخترعه، فإن زاد عليه الآخذ له فهو أحقّ به، وإن قصَّر عنه فإنَّما فضح نفسه. وقد جوَّد أبو العتاهية هذا المعنى في قوله:
نهوَى من الدُّنيا زيادتَها ... وزيادةُ الدُّنيا هي النقصُ
وقال أيضاً:
أسرَعَ في نقصِ امرئٍ تمامُه
وفي مثله يقول الآخر:
وتحسِب أنَّ النقصَ فيك زيادة ... وأنت إلى النقصان حين تزيدُ
ولو ذهبنا إلى استغراق جميع ما في هذا الباب لطال واتَّسع.
وقال حميد أيضاً:
لياليَ أبصارُ الغواني وسَمعُها ... إليَّ وإذ رِيحي لهنَّ جَنوبُ
وإذ ما يقولُ الناسُ شيء مُهوَّنٌ ... عليَّ وإذ غصنُ الشَّبابِ رطيبُ
فلا يُبعدِ اللهُ الشَّبابَ وقولَنا ... إذا ما صبونا صبوة سنتوبُ
فإنَّ الَّذي يشفيكَ ممَّا تضمَّنَتْ ... ضلوعكَ من وجدٍ بها لطبيبُ
وإنَّ الَّذي منَّاك أن تسعف النَّوى ... بها بعد أيَّام الصِّبى لكذوبُ
أما قوله في ذكر النساء: " وإذ ريحي لهن جنوبُ " فإن الجنوب عند العرب أحمد من الشمال لأنها تجلب المطر ويكون معها السحاب، والشمال تقطع السحاب ولا يكون مع أكثرها مطر ولذلك فضَّلوا الجنوب على الشمال.