يظلُّ به سربُ القطا متحيِّراً ... إذا ماجَ بحرُ الآلِ وهْوَ يلوحُ
تَجوب من البيداءِ كَدراءُ جَونةٌ ... سماويَّةٌ عجلَى النّجاء طَموحُ
تُبادرُ جَوناً تَنسج الرِّيحُ مَتنهُ ... له حَبَبٌ في جانبَيه يَسيحُ
عليه دِفاقٌ في الغُدَيَّات واردٌ ... ولآخرَ في بَرد العشِيِّ يروحُ
فعبَّتْ وعبَّ السِّربُ حتَّى إذا ارتوتْ ... ذكرنَ فِراخاً دونهنَّ طَروحُ
ملأنَ أداوَى لم يشِنْهنَّ خارِزٌ ... بسَيْرٍ ولا يُلفَى بهنَّ جروحُ
فطِرن يُبادرنَ الضِّياءَ تقدَّمتْ ... عليهنَّ مِغلاةُ النّجاء طَموحُ
إلى ابنٌ ثلاثٍ بالفلاة كأنَّما ... بجَنْبَيه من لَفْح السّموم جُروحُ
فظلَّتْ تُسقِّيه نِطافَ إداوَةٍ ... له غَبْقةٌ من فضلها وصَبوحُ
ومن هذا المعنى قول أبي صفوان الأسديّ:
وقد شاقَني نوحُ قُمريَّةٍ ... هتوفِ الغَداةِ طَروب العِشا
من الوُرق نوَّاحةٍ باكرتْ ... عَسيبَ أشاءٍ بذات الغضَى
فغنَّتْ عليه بلحنٍ لها ... يَهيجُ على الصِّبّ ما قد مضَى
فلم أرَ باكيةً مثلَها ... تبكِّي ودَمعتُها لا تُرَى
أضلَّتْ فُرَيخاً فطافتْ به ... وقد عَلِقتهُ حبالُ الرَّدَى
فلمَّا بدَا اليأسُ منها بكتْ ... عليه وماذا يرُدُّ البُكا
وقد صادَهُ ضَرِمٌ مُلحَمٌ ... خفوقُ الجَناح حثيثُ النَّجا
حديدُ المخالبِ عارِي الوظي ... فِ ضارٍ من الزُّرقِ فيه قَنا
فباتَ عَذوباً على مَرقَب ... بشاهقةٍ صَعبةِ المُرتقَى
فلمَّا أضاءَ له صُبحُهُ ... ونكَّبَ عن منكبيهِ النَّدَى
وحتَّ بمَخطمه جامداً ... على خَطْمِه من دماءِ القَطا
تصعَّدَ في الجوِّ ثمَّ اسْتَدا ... رَ طار حَثيثاً إذا ما انْصَمَى
فآنسَ سربَ قَطا قاربٍ ... جبَى منهلٍ لم تَمِحْهُ الدَّلا
غدونَ بأسقيَةٍ يَرتوينَ ... لزُغبٍ مُطرَّحةٍ بالفَلا
يُبادرنَ وِرداً فما يَرعوين ... على ما تخلَّفَ أو ما وَنَى
تذكَّرنَ ذا عَرْمَضٍ طامياً ... يجولُ على حافتَيه الغُثا