غَرَدتْ بلحنٍ فاستجابَ لصَوتها ... وُرقٌ على فَنَن الغُصونِ تفجَّعُ
يُسعدنَ فاقدةً أُنيحَ لفَرخها ... سَوذانِقٌ شاكِي المَخالب أسفَعُ
فانقضَّ من جوِّ السَّماء كأنَّه ... برقٌ تلألأَ من سحابٍ يلمَعُ
فحَواه بين مخالبٍ مَذْرُوبةٍ ... ومضَى كلمحِ البرقِ أو هوَ أسرَعُ
من بعدِ ما طارتْ به من عُشّها ... واخْضرَّ منه الطَّوقُ فهْوَ ملمَّعُ
أودَى بواحدها الزَّمانُ وريبُهُ ... إنَّ المنايا بالأحبَّةِ تفجَعُ
أفتِلك أم كُدريَّةٌ بتَنوفةٍ ... غَبراءَ يُصبحُ آلُها يترفَّعُ
باتتْ تلظَّى للورود ودُونها ... يَهْماءُ طامسةُ المعالم بلقَعُ
فغدتْ لوِرْدٍ قبلَ فُرَّاط القطا ... تنجُو نجاءً في الرِّياحِ وتمزَعُ
عُلويّةٌ تطوِي الفِجاجَ وتنتَحي ... بلَبانها في الرِّيحِ حين ترفَّعُ
فبدَا لها حَوْمٌ وقد متَعَ الضُّحى ... مُتحيِّرٌ يستنُّ فيه الضّفدَعُ
فدنتْ ونادتْ باسمِها ثمَّ ارتوتْ ... من باردٍ للكُدرِ فيه مشرَعُ
حتَّى إذا نهِلتْ وبلَّتْ نحرَها ... وتحاملَتْ عادتْ إليه تكرَعُ
فبدتْ لها من حَمأةٍ مَسنونةٍ ... حَدَمٌ ومن طِين الشَّرائع ترفَعُ
ناطتْ إداوتَها إلى حَيزومها ... وتروَّحتْ عجلَى النّجاء تسرَّعُ
لمُزَغَّبٍ ألِفَتهُ بين تنائف ... فيها لكُدْريّ القطا مستودَعُ
فتناوبتْهُ على المساءِ فصوَّبتْ ... ما أُرْبِغَتْ طوراً تفوق وترقَعُ
فسقتْهُ أنفاساً فأدنَى جِيدَهُ ... من جِيدها وفؤادُهُ لا ينقَعُ
أما وصف الحمام من الشعراء المتقدمين والمحدثين فكثيرٌ جداً إلاَّ أنَّ هذا المعنى الَّذي ذكرناه قليلٌ فيه، ونحن نختار منه شيئاً، فمن ذلك قول ابن الطَّثْريَّة:
تذكَّرتُ ليلَى أنْ تغنَّتْ حَمامةٌ ... وأنَّى بليلَى والفؤادُ قريحُ
يمانيَّةٌ أمستْ بنجرانَ دارُها ... وأنتَ عراقيٌّ هواكَ نَزوحُ
ومن دون ليلَى سبسبٌ مُتماحلٌ ... يُجيبُ صداهُ البومَ حين يَصيحُ