قد أتينا من هذا المعنى بنظائر كثيرة، وهو يتَّسع لولا أن قد ذهبنا لاختصاره ههنا، ويقرب من هذا المعنى الَّذي ذكرناه ههنا معنًى آخر، وهو ضدُّه، وسبيله أن لا يثبت معه لا للتّقارب بل للتضادّ، وقد أكثرت الشعراء مثله في القديم والمحدث، ولم يذكره ابن المعتز في كتاب البديع على معرفته بالشعر وحُسن نقده، فلا ندري لأيّ حالٍ أغفله، وقد ذكر أنَّه استغرق في كتابه جميع معاني الشعر الَّذي يقال له البديع، وهذا المعنى ذمٌّ مخرجه مخرج المدح، فمن ذلك - وهو الأصل - قول طرفة بن العبد:
ولا خيرَ فيه غيرَ أنَّ له غنًى ... وأنَّ له كشْحاً إذا قامَ أهْضَما
وأنَّ جوارِي الحيِّ يعكُفْنَ حولَه ... عُكوفَ النَّصارَى حول عيسى بن مَريَما
ومثله قول النّجاشيّ أو غيره:
قُبيّلة لا يَغدِرون بذمَّةٍ ... ولا يظلِمون النَّاسَ حبَّةَ خردَلِ
ولا يَرِدون الماءَ إلاَّ عشيَّةً ... إذا صدَرَ الورَّادُ عن كلِّ منهلِ
وقد تكلَّمنا على هذين البيتين في موضعهما من الكتاب؛ ومن هذا المعنى قول جوَّاس بن القَعْطل:
رأيتُ أبا القعقاع لا يكرهُ الخَنا ... ولكنَّه يسرِي إليه فيُسرعُ
يُحسِّرُ رأساً لا يقنَّعُ للخنا ... ولكنَّه للمكرُماتِ يُقنَّعُ
ولا خيرَ فيه غيرَ أنَّ سَوامَه ... يُعنِّي الَّذي يرجو نَداه ويخدَعُ
ومثله قول الكميت بن معروف:
لا خيرَ في عمرو بن مُ ... رَّة غير ما خَلْقٍ ومنظَرْ
ودراهمٍ كثُرتْ يُشَ ... دُّ على خواتمها وتُطمرْ
وسَوارحٍ مثل الدَّبا ... وصوافِنٍ كالرِّيح ضُمَّرْ
هي نُهْزةٌ للسَّائلي ... نَ وعن حقوق الحيِّ تُحظرْ
والدَّهرُ يهدِمُ ما بنَى ... ويُذلُّ عزَّةَ مَن تجبَّرْ
ومثله قول العُجير:
رأيتكمُ لا تُنكرونَ دنيَّةً ... ولا تَدفعونَ الحقَّ والحقُّ مُقبلُ
فإنْ نالَكم ذُلٌّ بَخَعتم بكلِّ ما ... يَرومُ العدوُّ منكمُ ويؤمِّلُ
ولا خير في أقوالكم غير أنَّها ... تَروق العيونَ كثرةً حين تُنقلُ