وممَّن آثر القتل على الفرار بنو ماويَّة بنت الأحبّ وكانوا سبعة قتلوا بأجمعهم في بعض حروب خثعم، فقالت أُمُّهم ترثيهم:
هوتْ أُمُّهم ماذا بهم يومَ صُرِّعوا ... بجَيْشان من أوتاد مُلكٍ تهدَّما
أبَو أن يفرُّوا والقَنا في نُحورهم ... ولم يرتَقوا من خَشية الموت سُلَّما
ولو أنَّهم فرُّوا لكانوا أعزَّةً ... ولكنْ رأوا صبراً على الموتِ أكرَما
وإلى هذه الأبيات نظر أبو تمَّام في قوله يرثي محمَّد بن حُميد:
وقد كانَ فوتُ الموتِ سهلاً فردَّه ... إليه الحفاظُ المرُّ والخلقُ الوعرُ
ونفسٌ تعافُ الفقرَ حتَّى كأنَّه ... هو الكفرُ يومَ الرَّوعِ أو دونه الكفرُ
فأثبتَ في مستنقعِ الموت رجْلَه ... وقال لها من تحتِ أخمَصك الحشرُ
ولمَّا وقعت الهزيمة على مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أميَّة، بموضع من أرض مصر يقال له أبو صير أهاب بالنَّاس ليرجعوا، فلم يلووا عليه، فنضا سيفه وقاتل قتال مستقتلٍ، فقال له المسوِّدة لما رأوا من وافر بأسه وشجاعته: يا هذا، لا تقتل نفسك ولك الأمان، فتمثَّل بأبيات تمثَّل بها الحسين صلوات الله عليه يوم قُتل وقد بُذل له الأمان، وهي:
أذُلُّ الحياة وذُلُّ الممات ... وكلاًّ أراهُ طعاماً وَبيلا
فإنْ كانَ لا بدَّ إحداهُما ... فسِيروا إلى المَوت سَيراً جميلا
ومثل هذا ما يُروى لأبي تمَّام - ما نظنُّه له -:
رحِم اللهُ جعفراً فلقد كانَ أبِ ... يّاً شَهماً وعاش كريما
مثَّل الموتَ بين عينيه والذُّ ... لَّ فكُلاًّ رآهُ حظّاً لَئيما
ثمَّ سارتْ به الحميَّةُ قُدْما ... فأماتَ العِدى ومات كريما
كعب بن الأشقريّ في المغيرة بن المهلَّب:
كم حاسدٍ لك قد عَطلتَ همَّتَهُ ... مُغرًى بشتم صروف الدَّهر والقدرِ
كأنَّما أنت سهمٌ في مَفاصله ... إذا رآكَ ثنَى طَرْفاً على عَوَرِ
كم حسرةٍ منك تَرْدِي في جَوانحه ... لها على القلبِ مثلُ الوخْز بالإبرِ