ولا ريب أن هذا المذنب خير عند الله، وأقرب إلى النجاة والفوز من المعجب بطاعته، الصائل بها، المانّ بها وبحاله على الله عز وجل وعباده، وإن قال بلسانه خلاف ذلك، فالله شهيد عل ما في قلبه.
فإذا أراد الله بهذا العبد خيراً ألقاه في ذنب يكسره به، ويعرفه قدره، ويكفي به عباده شره، وينكس به رأسه، ويستخرج منه داء العجب والكبر والمنة عليه وعلى عباده. فيكون هذا الذنب أنفع لهذا من طاعات كثيرة، ويكون بمنزلة شرب الدواء ليستخرج به الداء العضال (?).
وخلاصة القول أن الله عز وجل قد خلقنا بهذا التكوين وما فيه من ضعف وعجز وجهل واحتياج دائم ليسهل علينا أداء واجبات العبودية، ويحدث الانسجام بين ما هو مركوز في فطرتنا وبين ما ينبغي أن نقوم به من تواضع، وتذلل، وانكسار، وتضرع، وحب، وخشية، وهيبة له سبحانه، فإذا ما تمرد المرء على ارتداء رداء العبودية فإنه بذلك يخرج من كنف ربه ورعايته، وتكون له المعيشة الضنك في الدنيا، والعذاب في الآخرة.