2 - أن يكون الناس من حوله يجهلون عنه الشيء الذي يحسنه، أما إذا ما كانوا يعرفونه فليس له أن يقدم نفسه بأي حال من الأحوال، مع الأخذ في الاعتبار أن الشيطان يدخل للواحد منا من باب أن مصلحة الدين، ومصلحة الدعوة أن يكون في المقدمة، فهو صاحب جهد مميز، وتجربة عظيمة، وما يريد أن يقوم به من عمل لا يستطيع أن يقوم به غيره، فخوفه على الدعوة يستدعي منه تقديم نفسه، وتشبثه بمكانه في المقدمة.
هذه التصورات - لو كانت صحيحة - فليس من شأن صاحبها أن يدعيها أو يصرح بها، ولكنها من شأن من حوله، فهم يعرفونه جيدًا، ويحرصون على مصلحة الدين كما يحرص .. ومما يدعو للأسف أن غالب مثل هذه الادعاءات تدل على رؤية صاحبها لنفسه بعين التعظيم، وأن منطلقه الأساسي هو مصلحة نفسه قبل مصلحة الدعوة، ولو كان صادقًا في ادعاءاته، ما زكى نفسه، ولسعد باختيار غيره - إذا ما حدث - وعمل معه وهو في الظل بنفس الهمة والجهد والنشاط كما لو كان مكانه.
3 - عندما تترجح المصلحة الدينية الحقيقية، ويضطر المرء إلى تقديم نفسه للآخرين للقيام بعمل ما، فعليه أن يقرن ذلك بأن ما يدعيه عن نفسه فهو بتوفيق الله وفضله وكرمه، ولولاه سبحانه ما كان كذلك
{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 15، 16].
4 - ومن الضوابط كذلك: عدم المبالغة في مدح النفس، بل بقدر، وبكلمات قليلة تؤدي الغرض، وليعلم كل من يضطر لذلك أن كل كلمة يقولها عن نفسه تعد بمثابة سهم يوهن قلبه، ويفتح الباب لفتنة عظيمة أمامه، فليقلل قدر الإمكان من هذه السهام، وليسارع بعد ذلك بمناجاة الله أن يحفظه من شرها ويطلب منه العفو والمغفرة، وليردد {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].