{وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} (?)، وأوجب علينا كأفراد اتِّباع الشرع والإيمان بالقدر، وليس ترك الشرع والاحتجاج بالقدر.
وعند استحضار هذين الأمرين تتبين لك حكمة الخالق تبارك وتعالى من وضعه هذه الغريزة في الإنسان، ثم ترشيدها بتوظيفها في غاية عليا وهي وظيفة (التبليغ عن الله)، والتي منها كانت بعثة الرسل والرسالات. حتى تُوِّجَت هذه الوظيفة في رسالة خاتم الأنبياء محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأُخْرِجَت من الخصوص إلى العموم بقول الله جل وعلا: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} (?)، وبقوله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (?)، وأُطِّرَت هذه الوظيفة بإطار الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، بل جُعِلَ هذا الإطار هو الحد الشرعي للاتفاق والاختلاف بين البشر.
أما الثالثة: فهي أن الحق واحد لا يتجزأ، والباطل ظلمات بعضها فوق بعض: {هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} (?).
والرابعة: أن الله تبارك وتعالى قضى بانقسام البشر إلى فريقين: مؤمن وكافر: {وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} (?)، وقد جعل الأرض دارًا يتقاسمها ويتعايش فيها الفريقان، وجعل الأيام بينهما دولًا، حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، ويُسكِن كلاهما داره الأبدية: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (?)، جزاء بما قدمت أيديهم، وأن الله ليس بظلام للعبيد؛ فلقد هدى الله تعالى الإنسان السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا، وأخبر بأنه: {مَن أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (?).