والخامسة: أن الخطوط العريضة التي قام عليها الصراع الأزلي تأسست على قول المولى - عز وجل -: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (?).

وعند استحضار مشهد الصراع القديم وتبعاته بين القوى العظمى الثلاثة: (الرومية/النصرانية)، و (الفارسية/المجوسية)، و (العربية/الإسلامية)، تجد مصداق هذه الحقائق مجتمعة؛ حتى وإن ضاقت هذه الدوائر الثلاثة الكبرى تجد نفس الحقائق تتجلى في دوائر (طائفية) داخلية صغرى .. فدل ذلك على أن السلوك الإنساني العولمي الفطري يدفعه محرك ثقافي هُوِيَّاتي في المقام الأول، وكما يذكر العلامة أبو فهر رحمه الله (1327 - 1418هـ/1909 - 1997م)، فإن «رأس كل ثقافة هو الدين بمعناه العام» (?)، والإنسان هو أحد رجلين: إما داع أو مدعو، ولذلك تجد أن الثقافة المفروضة هي ثقافة الغالب عادة.

وحتى لما تمرد الإنسان الغربي وتحرر من السلطة الدينية المهيمنة عليه، المناقضة لصريح فطرة الإسلام التي فطر الله الناس عليها، وفصل دينه عن دنياه، وظل ماضيًا في طريقه سعيًا لتحقيق طموحاته التوسعية، وصارت له القوة والغلبة، طغى شرقًا وغربًا بفكره المتحرر من قيود الأخلاق والدين، داعيًا إلى ثقافة (السلام الإنساني) المشبوهة، بمصطلحاتها المائعة كالتقريب والتعايش والحوار وما شابه، وخارت له قوى كثيرة ودارت في فلكه على غير هدى، ولكنه في ظل دعوته تلك لم يتمكن من التخلص من شبح الصراع القديم الذي لا يزال يتسكع في لاشعوره، فلم ينفك الصراع عن صورته الأولى، ولكنه تنكر في ديباجة بيضاء، تحمل في طياتها صفحات دموية سوداء.

والحديث ذو شجون، والمسألة أراها مركَّبة يشوبها بعض المتناقضات!؛ ففي الوقت الذي تجد فيه أصواتًا (غير مسلمة) تحذر من خطر الإعصار العولمي العَلْماني النفعي الكاسح، وتنادي بضرورة التمسك بالجذور الثقافية الدينية، تجد هذه الأصوات تجتمع مع ضدها لاقتلاع جذور الصحوة الإسلامية الصاعدة. ولكن سرعان ما ينجلي هذا التناقض حينما نراجع الحقائق السالفة، ونستوعب معنى (الأمم) في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكَلَةُ إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015