العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا» (?)، حيث نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرغبة في الحرب وتمني لقاء العدو، وهذا يدل - كما يذكر الشيخ عبد الرحمن العقل (?) - «على أن حالة الحرب حالة طارئة، لا يشرع للمسلم أن يتمناها إلا إذا قامت أسبابها، وتوافرت دواعيها».

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق كما قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (?)، أي إن القتل وإن كان فيه شر وفساد، ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر منه، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه» (?).

ومن الأدلة القرآنية على ذلك قول الله تعالى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (?)، وفيه يقول السعدي رحمه الله (1307 - 1376هـ) (?): «أي: أجبهم إلى ما طلبوا متوكلًا على ربك، فإن في ذلك فوائد كثيرة، منها: أن طلب العافية مطلوب في كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك، كان أولى لإجابتهم» اهـ.

ولقد قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله (224 - 310هـ) (?): «فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة ولا عقل. وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه. فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائن ناسخًا.

وقول الله في براءة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} (?)، غير نافٍ حكمُه حكمَ قوله: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}، لأن قوله: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ}، إنما عني به بنو قريظة، وكانوا يهودًا أهل كتاب، وقد أذن الله جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم. وأما قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015