للمسلمين ولغيرهم، والمداراة يلجأ إليها الناس حينما يكونون في حالة ضعف وانكسار، وطبيعي حينما أكون ضعيفًا ومنكسرًا ألا تطلب مني أن أتصرف باعتباري قويًا ومتمكنًا. وعندما تكون الأمور على هذا النحو فمنطق التسامح والتآلف وارد، ومنطق الدعوة والاستماتة في الدفاع عن قضية الإسلام وفي بسط حججه وفي دحض شبهات وأباطيل خصومه وارد وهام.

وعمومًا فإن علاقتنا بالغرب وبغير المسلمين علاقة دعوة وعلاقة بلاغ، ونحن أمة دعوة ورسالة، ونحن أصحاب الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وقد نسخت الأديان كلها، ونحن نمسك بأيدينا المصحف الذي حماه الله من التحريف والتبديل، على حين حرفت الكتب السماوية كلها، فلم يبق على الأرض وحي معصوم إلا القرآن والسنة. ولم يبق دين يقبله الله ويرتضيه لعباده إلا الإسلام، فبقدر جسامة هذا الموقع وهذه المسئولية ينبغي أن تكون أمانة الدعوة، وأمانة البلاغ مع المحافظة على عقيدة الولاء والبراء حتى لا تنكسر هذه الأمة على ما فيها من انكسار، وحتى لا تذوب هويتها في معترك الأفكار والسياسات» اهـ.

أما الأمر الثالث: فهو لأمر كوني قدري مسلَّم به ابتداءً، وهو أنه مهما بلغت بالقوم درجة التسامح والتعايش السلمي في عصر ثقافة السلام المشبوهة، فهو أمر محدود بقول الله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (?)، وقوله - عز وجل -: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاء} (?)، وقوله تعالى أيضًا: {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَابَى قُلُوبُهُمْ} (?)، بل وقوله - جل جلاله -: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (?) وغير ذلك، بل ومحدود كذلك بما أخبر به الصادق الذي لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم - عما سيقع في آخر الزمان من الفتن والملاحم.

ولكن أود هنا الإشارة إلى أن كون هذا (التصادم) أمرًا حتميًّا مقضيًّا فيه لا يتنافى مع كون الأصل في العلاقة بغير المسلمين هي السلم لا الحرب، وهذا ما تطمئن النفس إلى قبوله من قولي أهل العلم (?)؛ فلقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015