أما الأمر الثاني: فهو ما يؤدي إليه إعمال هذه البنود من فَصْم لعُرَى الإيمان؛ فلقد أخبر ربنا - جل جلاله - أن أوثق عرى الإيمان هي الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وذلك في قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا} (?)، بل وكما فصَّل رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه الطبراني (260 - 360هـ) أن «أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» (?)، فلا ريب أن إعمال هذه البنود على وجهها يؤدي - ولا بد - إلى محو حاجز الولاء والبراء الدقيق الفاصل، وهذا خطر عظيم!

وللدكتور صلاح الصاوي كلام نفيس في هذا الباب فيقول (?): «إذا كان المقصود بالحوار بسط قضية الإسلام فهذا مما تعبد الله به عباده في جميع الأطوار والأحوال، سواء كانت الأمة في حالة انتصار أم في حالة انكسار. فنحن أمة دعوة ورسالة نبلغها لغيرنا من الناس في جميع أطوارنا، وفي جميع أحوالنا، فلا خلاف على بسط قضايانا، والدفاع عنها، وحشد الأدلة لإثباتها في أي طور، وعلى أية حالة كنا، فهذا القدر من المحكم يكمله أيضًا ألا ينكسر حاجز الولاء والبراء الذي أقامته الشريعة وجعلته أساسًا في التعامل بين المسلم وغير المسلم.

وقضية الولاء والبراء من القواعد المحكمة في دين المسلمين، وقد وردت فيها عشرات الآيات والأحاديث، وفي أزمنة الانكسار يرق هذا الحاجز ويضعف ويحدث فقه التبرير الذي تنشئه عوامل الوهن التي تمر بها الأمة من ناحية، ومفاهيم الاختراق الوافدة من ناحية أخرى ... وإذا كنا لا نستطيع أن نقدم شيئًا لديننا في عالم القوة المادية فلا أقل من أن نحافظ على نقائه وصفائه، ونورثه نقيًا متكاملًا للجيل القادم فعسى أن يفتح الله على أبنائنا فيما فشلنا نحن فيه. أما أن ننكسر على مستوى المفاهيم فهذه خيانة عظمى للإسلام وللحقيقة المجردة.

لكن من ناحية السلوك العملي فنحن نفرق بين الولاء والمداراة، فالتسامح موجود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015